ثقافة وفنمقالات

مصير عقود الشغل الفردية تحت ظل جائحة كورونا

 فاطمة الزهراء البوشيخي : المغرب

لا شك فيه أن العالم يعيش حالة من الإضطراب الصحي و العلمي وأيضا الاقتصادي في مواجهة جائحة كورونا إلا أن هذا الوضع قلب موازين الحياة الطبيعية و حير علماء الطب و الأوبئة في إيجاد لقاح يحد من تفشي هذا الوباء مما جعل الحل الوحيد في مواجهة هذه الجائحة هي الالتزام بقواعد الحجر الصحي المعلن عنها من قبل السلطات الحكومية .

بما أن المغرب اتخد مجموعة من التدابير الاحترازية لمواجهة تفشي هذا الفيروس وذلك بإعلان حالة الطوارئ الصحية بموجب مرسوم عدد 2.20.293 الصادر بتاريخ 23 مارس 2020 و كذا إحداث صندوق خاص بتدبير جائحة كورونا وفقا لتعليمات ملكية سامية للتخفيف من حدة الأزمة .

يمكن القول بأن هذه الجائحة واقعة مادية لها أثر سلبي وواضح يمكن رصد ملامحه في الركوض الإقتصادي و المعاملات التجارية الداخلية و الخارجية إضافة إلى الشلل الجزئي أو الكلي الذي أصاب مجموعة من القطاعات بالإضافة إلى مجموعة من المشاكل الاجتماعية المتمثلة من فصل و إنهاء للعلاقات الشغلية .

و من المعلوم أن عقد الشغل يخضع لمقتضيات مدونة الشغل و قانون الالتزامات و العقود وبالتالي فإن حدوث حالة قوة قاهرة أو حادث فجائي قد يجعل من المستحيل مواصلة و تنفيده وبالتالي إنهاؤه .

إذن من خلال ما سبق هل يمكن اعتبار جائحة كورونا قوة قاهرة ؟ بالإضافة إلى ما هو مصير عقود الشغل الفردية تحت ظل جائحة كورونا ؟

*جائحة كورونا كقوة قاهرة

عرف قانون الالتزامات و العقود القوة القاهرة من خلال مقتضيات المادة 269 على أن ” القوة القاهرة هي كل أمر لا يستطيع الانسان أن يتوقعه ، كالظواهر الطبيعية ( الفيضانات و الجفاف و العواصف و الحرائق و الجراد) و غارات العدو وفعل السلطة ، و يكون من شأنه أن يجعل تنفيد الالتزام مستحيلا . ولا يعتبر من قبيل القوة القاهرة الأمر الذي كان من الممكن دفعه ، مالم يقم المدين الدليل على أنه بذل كل العناية لدرئه عن نفسه .

وكذلك لا يعتبر من قبيل القوة القاهرة السبب الذي ينتج عن خطأ سابق للمدين “

نستشف من خلال التعريف السابق للقوة القاهرة أنها تتأسس على مجموعة من الشروط لاعتبار الواقعة المادية قوة قاهرة ، بحيث تتمثل هذه الشروط في أن يكون الحادث مما لا يمكن توقعه كالحوادث الطبيعية ، بالإضافة أن يكون مما لا يمكن رده أي عدم القدرة و العجز على التصدي لهذه الواقعة ، ثم أن يكون الحادث أو الواقعة عنصرا خارجيا و أجنبيا لا علاقة له بنشاط الشخص

المتضرر .

يمكن القول أن القوة القاهرة عبارة عن حدث ينتج عنه اخلال بوضعية معينة و الذي باستجماعه للعناصر و الشروط السالفة الذكر يجعل من تنفيذ الالتزام أمرا مستحيلا أو بالأحرى قد يؤدي الي الاخلال بتنفيذه و بالتالي الاعفاء من قيام المسؤولية .

إذن هل يمكن اعتبار جائحة كورونا ضمن حالات القوة القاهرة ؟

إننا أمام جائحة تشكل حدثا غير متوقع و لا يمكن رده نظرا لتوافر شروط القوة القاهرة . بحيث أن التدابير الاحترازية التي إتخذتها السلطات المعنية بالأمر و بصريح النص القانوني و يتعلق الأمر بفعل السلطة المنصوص عليها في الفصل 269 من قانون الالتزامات و العقود ، بالتالي يمكن اعتبار هذه الجائحة قوة قاهرة .

إن العلاقة الشغلية من أهم العلائق التي نظمها المشرع وذلك في مقتضيات مدونة الشغل المغربية صيانة و حفاظا على حقوق الطرف الضعيف في هذه العلاقة و هو الأجير وذلك بتحديد مجموعة من الشروط لإنهاء هذه العلاقة الشغلية طبقا لمقتضيات قانونية منصوص عليها بالإضافة الى سلطة تقديرية لقاضي الموضوع .

كما وجب الاشارة في هذا الصدد إلى أن مدونة الشغل لم تعطي تعريفا للقوة القاهرة لكن اعتمدتها سببا للحد من أثار عقد الشغل .

و مما لاشك فيه أن جائحة كورونا ستكون لها أثار وخيمة على عقود الشغل مما يدفعنا إلى طرح مجموعة من التساؤلات و من بينها مصير عقود الشغل الفردية تحت ظل جائحة كورونا هل ستتوقف هذه العقود أم سيتم انهاءها ؟

إن مجموعة من المقاولات و القطاعات تكون غير معنية بالإغلاق غير أنها تتخد مجموعة من الاجراءات و التدابير لحماية صحة أجرائها ، كالاشتغال عن بعد أو اللجوء الى مقر العمل لكن باتخاذ احتياطات كالتعقيم المستمر و مراقبة حرارة الاجراء و جعل بينهم مسافة أمان الى غير ذلك من الاحتياطات … بحيث لا يمكن اعتبار جائحة كورونا بخصوصها قوة قاهرة و بالتالي أي فصل تعرض له الأجير مبرره جائحة كورونا ، يمكن اعتباره فصلا تعسفيا .

نشير في هذا الصدد أن السلطات المغربية خلال هذه الأزمة أصدرت مجموعة من القوانين و التي تحت فيها أصحاب و أرباب المعامل بعدم إنهاء عقد الشغل تحت طائلة العقاب وذلك بالتدرع لجائحة كورونا كقوة قاهرة .

من جهة أخرى هناك مقاولات التي تم توقيف أنشطتها لفترة مؤقتة بسبب القرارات الإحترازية التي إتخذتها السلطات المغربية ، فيمكن إعتبارها قوة قاهرة ( فعل السلطة ) وبالتالي لا يمكن إنهاء عقود العلاقة الشغلية أو فسخها و إنما تتوقف خلال فترة الإغلاق المؤقت ، بينما يستأنف الأجير عمله مباشرة بعد رفع الحجر و استقرار الأوضاع . في حين يمكن إنهاء عقد الشغل في حالة ما اذا استحال استمرار نشاط مقاولة معينة لأسباب اقتصادية فاقت سيطرتها .

إن هذه الجائحة ستتير مجموعة من الاشكالات و التساؤلات في المجال القانوني و القضائي أهمها مدونة الشغل .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى