اهم الاخبارعربي دولي

العراق..  استدعاء “قوانين صدام حسين” لمواجهة حرية التعبير

التاج الإخباري – لا يكاد يمضي عام إلا ومستوى حرية التعبير في العراق في تراجع مستمر، حتى بات النظام السياسي في البلاد يعيد اجترار قوانين نظام صدام حسين في تقييد الحريات، وهو مما تضخم مع إحكام حلفاء طهران قبضتهم على السلطة بشكل شبه مطلق منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2022.

وما إن أنهت حكومة “الإطار التنسيقي للقوى الشيعية”، الحليف الأكبر لإيران، عامها الأول حتى بدأت ملامح تعاطيها مع ملف الحريات والمعارضة السياسية تتضح بشكل أكبر، حيث فتحت السلطة النار على ملف حرية التعبير من خلال تعديل قوانين تعود إلى حقبة “حزب البعث”، في مسعى منها لتقييد منتقديها أو ترهيبهم بعقوبات تصل إلى السجن لسنوات عدة.

في تطور لافت، صوت البرلمان العراقي نهاية مارس (آذار) الماضي، على تعديل قانون العقوبات العراقي 111 لعام 1969، حيث قال عضو اللجنة القانونية في البرلمان رائد المالكي، إن المجلس قام بـ”تعديل المادة 226 من قانون العقوبات الخاصة بتجريم إهانة السلطات العامة، مع استثناء حق المواطن في التعبير عن رأيه ونقد السلطات العامة بقصد تقويم الأداء وحق إبداء المظلومية”.

وينص تعديل المادة على أن “يعاقب بالحبس أو الغرامة من أهان بإحدى طرق العلانية السلطات العامة التشريعية أو القضائية أو التنفيذية أو السلطات الإقليمية أو المحلية أو دوائر الدولة الدوائر أو شبه الرسمية”.

يرى مراقبون أن تلك المواد فضفاضة ولا يمكن الاستدلال بها على ما يمكن أن يعاقب عليه القانون، وهو مما سيتيح مساحة واسعة للاستخدام السياسي لها.

ولا تبدو تلك الإجراءات بمعزل عن خطوات عدة قامت بها حكومة محمد شياع السوداني خلال العام السابق، بدأت بما سمي حملة لـ”ملاحقة المحتوى الهابط” في يناير (كانون الثاني) 2023، لحقتها جملة من الاعتقالات لمدونين وناشطين معارضين كان آخرهم الناشط ياسر الجبوري الذي يحمل الجنسية الإيرلندية في مطار بغداد الدولي، وفق المادة 226 من قانون العقوبات لسنة 1969.

وباتت المادة 226 السلاح الأمثل بالنسبة إلى الميليشيات وعديد من المسؤولين الحكوميين في العراق في مواجهة أي انتقاد يطالهم من قبل معارضين أو مدونين، ولعل أبرزهم المدون حيدر الزيدي الذي حكم عليه في الخامس من ديسمبر (كانون الأول) 2022 بالسجن لمدة ثلاث سنوات على أثر تغريدة انتقدت نائب رئيس هيئة “الحشد الشعبي” السابق أبومهدي المهندس، الذي اغتيل في غارة أميركية قرب مطار بغداد مطلع عام 2020.

وأدى الحكم على الزيدي إلى اندلاع تظاهرات في مدينة الناصرية جنوب البلاد، وهو ما أدى في النهاية إلى إطلاق سراحه بعد أن تنازل “الحشد الشعبي” عن الشكوى إثر جلسة جمعت بين ممثلين عنهم وأسرة الزيدي.

يقول رئيس منطقة الشرق الأوسط في مؤسسة “غالوب الدولية” منقذ داغر، إن الفترة الأخيرة في العراق “شهدت محاولات حثيثة لتقييد حرية الرأي والعودة إلى الإعلام المنسق والمسيطر عليه من قبل السلطة، وهذا الأمر جرى بطريقتين: الأولى وضع قيود قانونية إضافية لتقييد حرية الرأي، التي بدأت باسم المحتوى الهابط ثم سرعان ما تحولت إلى تجريم إهانة المؤسسات، أما الطريقة الأخرى فتمت من خلال ضخ أموال كبيرة للسيطرة على المؤثرين وبعض الإعلاميين والمنصات لإخراج صوت منسق مع الحكومة”،

يشير داغر إلى أن الحكومة الحالية “أبدت نجاحاً في هذا السياق”، مؤكداً أن ما جعل السلطة في الفترة الحالية “تنجح في تقييد حرية التعبير بشكل أكبر” هو كون الأجهزة التشريعية والتنفيذية والقضائية “باتت من لون واحد”، ومبيناً أن هذا الأمر “جعل العمل متناسقاً وحثيثاً استباقاً لاحتمالات إحداث أي تغيير قد يؤدي إلى خروجهم من الحكم”.

وكانت سلطة الاحتلال الأميركي بعد عام 2003 علقت العمل بعديد من القوانين التي تعود إلى حقبة نظام صدام حسين وتتعارض مع الديمقراطية، من بينها المادة 226، حتى تسلمت القوى السياسية العراقية زمام السلطة عام 2004 فأعادت العمل بتلك القوانين مرة أخرى.

يعتقد رئيس “تحالف حرية الصحافة” مصطفى ناصر، أن “البرلمان العراقي أثبت أنه قادر على تغيير قوانين حقبة صدام حسين، بدليل تمكنه من تعديل قانون العقوبات العراقي، وتحديداً المادة 226″، مضيفاً لـ”اندبندنت عربية” أن هذا الأمر يدل على أن “الكتل السياسية الحاكمة، لا سيما قوى الإطار التنسيقي، تنظر إلى تلك القوانين الديكتاتورية كضرورة لثباتها وتجذرها”.

أما في ما يتعلق بتعديل المادة، فيشير ناصر إلى أنه “لا يعد تعديلاً على الإطلاق، إذ أبقى صلاحية تقدير الموقف للقضاء كما كان في أصل المادة التي طالب الناشطون والصحافيون بإلغائها لتسببها في اعتقال واحتجاز ومحاكمة مئات منهم”.

يرى أستاذ العلوم السياسية هيثم الهيتي، أن “التحولات نحو الاستبداد في العراق بعد عام 2003 بدأت تدريجاً، وأخذت تتصاعد بشكل واضح خلال السنوات الأخيرة، فبات الاستبداد أحد أبرز سمات النظام السياسي”.

ويشير إلى أن التحولات في العراق مرت بمراحل تمهيدية عدة، “بدءاً من الترهيب والاغتيالات وصناعة الانشقاق الاجتماعي والطائفي، ثم العسكرة وبناء الميليشيات والتوظيف الصانع للزبائنية السياسية وانعدام العدالة، حتى تمكنت السلطة من بدء محاولات اجترار كل قوانين قمع الحريات من الأنظمة الديكتاتورية الصريحة”.

ويتابع “المخاوف من تنامي موجات احتجاج جديدة هو ما دفعها إلى إعادة العمل بتلك القوانين التي تمثل قمعاً مبكراً لأي فرصة قد تؤثر في الرأي العام وتوجهه نحو أي حراك احتجاجي أو اجتماعي أو سياسي”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى