قراءة في مشروع قانون الموازنة العامة .. الجزء الثالث
التاج الإخباري
الدكتور تيسير الصمادي
كتب وزير التخطيط الأسبق، الدكتور تيسير الصمادي، الجزء الثالث من تحليله لمشروع موازنة العام 2021، و تطرق به للنفقات العامة التي شهدت نمواً ملحوظاً مقارنة بالعام الماضي 2020 ، و تالياً نص المقال:
في جانب النفقات، تشير بيانات مشروع قانون الموازنة لسنة 2021 إلى أن النفقات العامة ستبلغ (9930.2) مليون دينار؛ مسجلة نموا نسبته (6.0%) ومقداره (565.4) مليون دينار عن مستواها في العام السابق. ويأتي ذلك مدفوعا بنمو النفقات الجارية بما نسبته (4.0%) أو ما مقداره (332.6) مليون دينار، ونمو النفقات الرأسمالية، نظريا، بنسبة كبيرة جدا قدرت بحوالي (24.5%)، أو ما مقداره (232.8) مليون دينار.
وبما أن الحكومة كانت قد قدرت قيمة “العلاوات الإضافية وزيادة الرواتب التقاعدية” التي تم تجميدها، نتيجة الجائحة، منذ مطلع شهر نيسان في العام الماضي، قبل أن تعيد إدراجها في مشروع موازنة هذا العام، بحوالي (360) مليون دينار سنويا، فإن ذلك يعني أن النفقات الجارية لهذا العام، بعد إستثناء تلك العلاوات والزيادات، ستكون أقل من مستواها للعام السابق، حسب مشروع القانون! وتبلغ الأهمية النسبية لهذه النفقات حوالي (88.0%)، فيما تبلغ الأهمية النسبية للنفقات الرأسمالية (12.0%)؛ مقارنة مع ما نسبته (10.0%) للعام السابق. ولكن في ضوء قيام الحكومة بإجراء مناقلات من النفقات الرأسمالية إلى النفقات الجارية وبمبالغ ملحوظة، في سابقة خطيرة، وفي ظل تراجع المبالغ المنفقة من النفقات الرأسمالية، مقارنة بالبيانات المقدرة، بحوالي (188.0) مليون دينار، أو ما نسبته (16.5%) فإن الأهمية النسبية لأي من النفقات الجارية أو الرأسمالية لم تعد ذات معنى إقتصادي أو تنموي؛ إلاّ إذا تم تعديل مواد مشروع قانون الموازنة العامة بما لا يسمح بإجراء مثل هذه المناقلات وتوفرت الجدية لدى الحكومة لإنفاق هذا المبلغ المقدر وليس لاستخدامه “كآلية تجميلية” للإنفاق العام من خلال التلكؤ والتأخير في الإنفاق الرأسمالي في سعيها لخفض النفقات العامة في نهاية السنة، كما جرت العادة منذ سنوات! ومن الجدير ذكره أن بيانات وزارة المالية تظهر أن ما تم إنفاقه فعلا من النفقات الرأسمالية قد بلغ (476.2) مليون دينار، فقط، خلال الشهور العشرة من العام الماضي؛ وبالتالي فإن بيانات إعادة التقدير لهذه النفقات لعام 2020، والبالغة (984.4) مليون دينار تظهر مبالغة مفرطة! مما يعني أن الإنكماش الفعلي في هذه النفقات سيكون أكبر من النسبة المذكورة أعلاه، أي (16.5%)، بكثير، ولا نبالغ إذا قلنا أنها ستكون بحدود (53.0%) على أقل تقدير!
وتظهر تفاصيل النفقات الجارية تراجع بنود “الدعم بما فيه الدعم النقدي ودعم الأعلاف” والمعالجات الطبية ودعم الجامعات وتسديد إلتزامات سابقة بما نسبته (%57.7) و(%16.7) و(%12.5) و (38.3%)، أو ما مقداره (75) و(15) و(10) و(46) مليون دينار، على التوالي. ومن الملاحظ أيضا إختفاء بند “دعم الخبز النقدي” للفئات المستحقة، والإقتصار على بند “دعم القمح والأعلاف”؛ حيث تراجع بند الدعم من (130.0) مليون دينار في عام 2020 إلى (55.0) مليون دينار، في السنة الحالية! أي أن الحكومة قد عادت مجددا لأسلوب دعم السلعة، بدلا من دعم الفئة المستحقة، بعد أن شهدنا خلال الفترة الماضية الكثير من التبرير والتنظير لأهمية الدعم المباشر للمستحق، عوضا عن دعم السلعة!. من جهة أخرى، تظهر بيانات مشروع القانون نمو بند “المعونة النقدية المتكررة” من (146.0) مليون دينار في العام السابق إلى (201.0) مليون دينار في هذا العام؛ أي بما مقداره (55.0) مليون دينار، أو ما نسبته (38.0%)؛ وتأتي هذه الزيادة الملحوظة نتيجة لزيادة عدد الأسر المستفيدة من صندوق المعونة الوطنية بناء على الاتفاق الذي أبرمته الحكومة السابقة مع البنك الدولي، أو ما يطلق عليه المصفوفة الخماسية، بمضاعفة عدد الأسر المستفيدة من خدمات الصندوق على مدار 3 سنوات؛ بحيث يتم تمويل هذه الزيادة للسنوات الثلاثة الأولى من خلال منحة مقدمة من البنك، فيما تتحمل الخزينة أعباء تلك الزيادة بعد ذلك!
أما نفقات “فوائد الدين العام” فقد رصد لها في مشروع القانون (1452) مليون دينار مقارنة مع ما مقداره (1278.0) مليون دينار في العام الماضي؛ بزيادة مقدارها (174.0) مليون دينار ونسبتها حوالي (14.0%). وبذلك تستهلك هذه النفقات ما نسبته (17.0%) تقريبا من إجمالي النفقات الجارية.
وعلى الرغم من قيام الحكومة السابقة بتوقيع إتفاقيات مع عدد من البنوك المحلية لغايات تسديد مطالبات المقاولين ومصفاة البترول والمستودعات الطبية؛ حيث لجأت تلك الحكومة إلى طريقة جديدة في الإقتراض، افتقرت إلى الشفافية وهدفت إلى تجميل بيانات الإنفاق تم بموجبها عقد مجموعة من الإتفاقيات مع بعض البنوك تقوم على أساس حصول المقاول أو مستودع الأدوية بالاقتراض من البنوك بقيمة ما ترتب له من التزامات على الحكومة؛ على أن يكون القرض باسم المقاول أو المستودع في حين تقوم الحكومة بالتعهد بدفع الأقساط والفوائد عند استحقاقها نيابة عن المقترض، بما يعني أن الحكومة هي الكفيل للمبالغ المقترضة التي يرجح أن تكون قد تجاوزت (800) مليون دينار، وعلى الرغم من الوعود الحكومية بالتخلص من هذا البند كليا في الموازنات اللاحقة، فقد عاد بند “تسديد التزامات سابقة” ليظهر مجددا في مشروع قانون الموازنة لسنة 2021 بقيمة (74.0) مليون دينار مقابل (120.0) مليون دينار في العام الماضي! كما ظهر بند آخر في موازنة التمويل بقيمة (128.7) مليون دينار؛ حيث يمثل الأول مخصصات لدفع مستحقات سابقة، أي نفقات خارج الموازنة، فيما يمثل الثاني أقساط القروض التي تستحق على المقاولين ومستودعات الأدوية ومصفاة البترول وتعهدت الحكومة بدفعها، كما ذكر سابقا!
وعلى الرغم مما جاء في خطاب الموازنة من التأكيد على سعي الحكومة لمنع تراكم المزيد من الالتزامات السابقة فإن تخصيص مبالع جديدة في مشروع القانون يؤشر على صعوبة تحقيق ذلك لأسباب متعددة! وفي هذا المجال فإن ما جاء في الخطاب من أن آلية التسديد الجديدة لا تشكل عبئا إضافيا على الموانة العامة غير دقيق، لأنه وإن كانت الآلية المذكورة قد أحدثت بعض “التجميل”، عندما أخفت المبالغ التي تم الإلتزام بتسديدها من بنود النفقات، فإنها في نهاية المطاف ستظهر في موازنة التمويل وتضاف إلى الرصيد القائم للدين العام، ناهيك عن قيام الحكومة بتحمل أعباء الفوائد المترتبة على هذخ القروض والتي ستنعكس على النفقات الجارية!
في ضوء التطورات التي سيشهدها جانبا الإيرادات والنفقات العامة، يشير مشروع القانون إلى أن العجز المالي، قبل المنح، سيبلغ حوالي (2632.2) مليون دينار، أو ما نسبته (8.3%) من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة مع ما مقداره (3014.8) مليون دينار، أو ما نسبته (9.8%) من الناتج المحلي الإجمالي، حسب بيانات إعادة التقدير للعام السابق! أي أنه سيتقلص بحوالي (382.6) مليون دينار، أو ما نسبته (12.7%) عن مستواه المسجل في عام 2020. ومن الجدير ملاحظته أن هذا العجز قد قدر في قانون الموازنة للعام الماضي بقرابة (1853.0) مليون دينار، أو ما نسبته (5.7%) من الناتج المحلي الإجمالي، ولكنه سجل قفزة كبيرة مقدارها (1161.8) مليون دينار؛ أو بما نسبته (62.7%)؛ مدفوعا بالضغوط التي ترتبت على الموازنة، وخاصة في جانب الإيرادات، نتيجة الجائحة وانعدام كفاءة الإنفاق، إلى جانب عدم تحقيق معدل النمو الذي تم تقديره عند بداية العام!
وبعد إضافة المنح، يقدر أن يبلغ عجز الموازنة العامة لهذه السنة قرابة (2055.4) مليون دينار، أو ما نسبته (6.5%) من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة مع عجز مقداره(2163.5) مليون دينار ونسبته (7.1%) إلى الناتج المحلي الإجمالي، في العام السابق؛ أي أن العجز المقدر سيتقلص بما نسبته (5.0%) وما مقداره (108.1) مليون دينار عن مستواه في العام الماضي؛ وتعود هذه الأرقام المتواضعة إلى تخفيض حجم المنح المتوقعة بشكل ملحوظ في ظل ما تسميه الحكومة ب “التحوط” في التقدير، وما يمكن تسميته ب “الخطوة التكتيكية” لتقليص أثر عدم تحقق الإيرادات المحلية المتوقعة التي يمكن القول أنها قد بنيت على أساس انتهاء الجائحة وعودة الأمور إلى أفضل مما كانت عليه قبلها! ومن الجدير ذكره أن هذا العجز كان قد قدر بحوالي (1046.1) مليون دينار في قانون الموازنة السابق، ولكنه توسع ليصل إلى قرابة (2163.5) مليون دينار، حسب بيانات إعادة التقدير؛ أي بزيادة مقدارها (1117.4) مليون دينار ونسبتها (106.8%)!
وليس من المبالغة في شيء توقع إعادة سيناريو السنة السابقة، بل والسنوات التي سبقتها، فيما يتلعق بتوسع العجز المالي، وخاصة قبل المنح، قي ضوء المبالغة الواضحة في تقديرات الإيرادات المحلية، من جهة، وعدم وجود مؤشرات على أي أدوات أو منهجيات لتحسين كفاءة الإنفاق الجاري، من جهة أخرى! وقد يحد من ذلك قليلا المبالغة في تقدير النفقات الرأسمالية، ألتي أصبحت المبالغة في تقديرها من سمات الموازنات العامة!
من جانب آخر، يشير مشروع قانون الموازنة العامة لسنة 2021 إلى أن الحكومة ستقوم باقتراض ما مقداره (6957) مليون دينار؛ منها ما يعادل (2236.2) مليون دينار بعملات أجنبية والباقي، أي (4721.3) مليون دينار، من السوق المحلية لتسديد عجز الموازنة، وتسديد أقساط قروض وسلف وإطفاء سندات محلية وأجنبية. وقد أشار خطاب الموازنة العامة إلى أن إجمالي الدين العام سيبلغ نحو (27.0) مليار دينار، أي حوالي (33.5) مليار دينار متضمنا قروض صندوق استثمار أموال الضمان الإجتماعي في نهاية هذا العام؛ لتبلغ نسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي حوالي (110.0%). ومن الجدير ذكره أن بيانات وزارة المالية تشير إلى أن إجمالي الدين العام قد بلغ في نهاية شهر تشرين أول من عام 2020 قرابة (32.9) مليار دينار؛ أي ما نسبته (105.1%) من الناتج المحلي الإجمالي؛ علما بأنه لم يعد يبتعد كثيرا عن المستوى المقدر له، بالحجم المطلق، لعام 2021 حسب منهجية الوزارة، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول موضوعية تقديرات الحكومة لإجمالي الدين العام في سنة 2021!