مقالات

الجبالي يكتب.. شاهد على موقف الأردن تجاه غزة

التاج الاخباري – بقلم حمزة الجبالي

حين تحلّق الطائرة في عنان السماء، لا تكون مجرد طائرة. تصبح جناحًا من أجنحة التاريخ، ورفيفًا من رفيف المروءة. واليوم، وأنا أشارك نسور سلاح الجو الملكي الأردني رحلة إغاثة إلى غزة، لم أكن مسافرًا… كنت شاهدًا. شاهدًا على وطن يُحلّق لا بطائرته، بل بمبادئه.

ساعة ونصف من التحليق، كانت كفيلة بأن تعيد تعريف الانتماء. كانت كفيلة بأن تضع الإصبع على الجرح، وتضع القلب في كفّ الوطن. لم أكن وحدي في السماء، كان معي وطن بأكمله… وطن يحمل المعونة في يده اليمنى، والكبرياء في يده اليسرى، ويخترق الغمام كي يقول للعالم نحن مع غزة، لا بالكلمات… بل بالأفعال.

نحن لا نُزايد، لا نساوم، لا نُساير. نحن أبناء مدرسة هاشمية لم تُصغِ يومًا إلا لنداء الضمير. مدرسةٌ يقودها جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين حفظه الله. رجل الدولة والميدان، الذي علّمنا أن الوقوف مع المظلوم ليس خيارًا، بل قدر الرجال.

والأردن… يا سادة، لم يكن يومًا دولة تبحث عن موضع في قائمة المتفرجين. الأردن كان دومًا أول من يتحرّك، وأصدق من يلتزم، وأشجع من ينفذ. ولهذا، حين كانت غزة تنزف، كان الأردن يهبّ، لا يُرسل بيانات ولا ينسج عبارات، بل يرسل رجالًا، ويحلق بطائرات، ويُطعم الجائع، ويُطبطب على كتف المنكوب.

ولئن كانت السماء مسرحًا لتلك الرحلة، فإن الأرض كانت تصغي. تصغي إلى وقع الشرف الأردني، وإلى صوت الحق حين يُنقل على أجنحة النشامى. وهناك، في سماء غزة، شعرت أنني لا أرى فقط مدينة محاصرة، بل أرى تاريخًا يُكتب، وموقفًا يُسجَّل، ورايةً لا تنحني.

أما أولئك الذين يشكّكون، أولئك الذين يتربصون، أولئك الذين يظنون أن الوطنية تُشترى في أسواق النخاسة السياسية، فنقول لهم. هذا الوطن الذي يحمل مشاعل النور، لن تطفئه همسات المرتزقة. وهذه القيادة التي واجهت العاصفة تلو العاصفة، لن تهتزّ أمام زوابع منصات التواصل الاجتماعي.

وإذا كان هناك من لا يزال يظن أن الأردن يتحرك طمعًا أو يُغيث رياءً، فإننا لا نجد لهم جوابًا، سوى ما قاله التاريخ نفسه. مزبلة التاريخ متسعة دائمًا لمن لا يعرفون الفرق بين الشرف والتشريف.

هكذا هو الأردن… لا يُشبه سواه، ولا يُشبهه أحد. سلاحه الضمير، ورايته المروءة، ودستوره النخوة. وكلما حاول الصغار أن ينالوا منه، ازداد سُمُوًّا.

ولجلالة الملك… القائد الذي علّمنا أن لا نُصافح الظلم، ولا نهادن القهر، نقول. نعاهدك أن نكون كما تريد، أردنيين لا نُغيّر المبدأ، ولا نُبدّل الثوابت.

لقد كنت اليوم في السماء، لكن قلبي ظلّ على الأرض… في قلب هذا الوطن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى