مقالات

المواطنة في عالم متغير

التاج الإخباري – بقلم: هاني الدباس

مع تغيّر الزمن، تتغير مفاهيم كثيرة في حياة المجتمعات، ولعلّ من أبرزها مفهوم (المواطنة) فبين جيل نشأ على مفاهيم الانتماء التقليدية وجيلٍ رقمي يعيش في فضاء مفتوح من المعلومات والتفاعلات، تبرزُ فجوة حقيقية في فهم وترجمة هذا المعنى.

بين جيل الامس حين كانت المواطنة التزامٌ مؤسسي ، كان مفهومها يرتكز على معايير واضحة ومباشرة: احترام القوانين، المشاركة في الانتخابات، العمل من أجل الصالح العام، والحفاظ على النظام الاجتماعي.

الانتماء للوطن كان شعورًا متجذرًا في السلوك اليومي، يعززه التعليم والمحيط الأسري والمجتمعي.

كما قال الفيلسوف السياسي توماس مارشال:

“المواطنة هي العضوية الكاملة في المجتمع، والتي تتطلب حقوقًا مدنية وسياسية واجتماعية متكاملة.
وبين جيل اليوم حيث اضحت المواطنة هوية رقمية وموقف شخصي.. تتجلى الفجوة.

في المقابل، تطور مفهوم المواطنة لدى الجيل الجديد ليصبح أكثر مرونة وتعددًا ، فالمواطنة لم تعد محصورة في الأطر الرسمية، بل تحوّلت إلى حالة تفاعلية يمكن ممارستها من خلال التفاعل على منصات التواصل الاجتماعي، دعم القضايا البيئية والحقوقية، والمشاركة في حملات رقمية تتجاوز الحدود الجغرافية.

ويصف الباحث مانويل كاستلز هذا التحول بقوله:
الهوية في عصر الشبكات تُبنى عبر التفاعل الرقمي، وهي ليست ثابتة، بل تتشكل لحظيًا وفق التفاعلات التي يخوضها الأفراد.

الفجوة بين الجيلين هو صراع المفهوم واختلاف المرحلة مما يُفَسَرُ أحيانًا صداماً بين الأجيال، وهو في الحقيقة اختلاف في الزاوية التي يُنظر منها للمفهوم برمته . فجيل الأمس يربط المواطنة بالفعل الملموس، بينما يرى جيل اليوم أن التعبير الرقمي والمشاركة الوجدانية في القضايا المعاصرة هي أشكال جديدة من المواطنة الحقة..
وتُعد التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي منصات محورية في صياغة هذا التحول. فهي من جهة، تُسلط الضوء على القضايا المغيبة، وتوفر أدوات للتعبير اللحظي والتأثير، لكنها من جهة أخرى، تزيد من التباين في طرق الفهم والممارسة، خاصة في ظل انتشار المعلومات السطحية والانفعالية.
في هذا السياق، يأتي دور الدولة بمختلف مؤسساتها كعامل حاسم في تجسير الفجوة وتعزيز المواطنة بجميع أشكالها ، إذ يقع على عاتق المؤسسات الرسمية تطوير سياسات تعليمية وتنويرية تواكب التحولات الرقمية، وتُدمج مفاهيم المواطنة الحديثة في المناهج، وتُحفّز المشاركة المدنية الرقمية من خلال منصات حكومية تفاعلية. كما أن دعم المبادرات الشبابية والرقمية يُعد استثمارًا في مستقبل الانتماء الوطني، مما يضمن أن تبقى المواطنة قيمةً جوهرية بمعزل عن اختلاف الأجيال ومفاهيمها .
المواطنة ليست مفهومًا جامدًا، بل مرآة تعكس تطور المجتمع ، والتحدي الحقيقي اليوم لا يكمن في المفاضلة بين جيل وآخر، بل في إيجاد لغة مشتركة تُقرب الفهم، وتُعيد بناء الجسور بين المفهوم التقليدي والرقمي، ليبقى الانتماء متجذرًا، مهما تغيّرت الوسائل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى