شديفات يكتب.. الاستقلال الفردي وهّم الفرد ظلّ القيادة

التاج الإخباري – بقلم عبدالرحمن خلدون شديفات
تُسوّق جماعة الإخوان المسلمين لنفسها كجماعة تقوم على “العمل الجماعي” و”التشاور”، بينما الحقيقة – كما تكشفها ممارساتها الداخلية – تؤكد أن هذا “الجماعي” ليس إلا غطاءً لسيطرة مركزية صارمة تلغي تمامًا فكرة الاستقلال الفردي أو اتخاذ القرار الحر.
المنتسب إلى الجماعة، مهما علا شأنه أو نضج فكره، يبقى أداة تُدار من خلف الستار، ولا يتحرك قيد أنملة دون إيعاز من القيادة. الاسم بحد ذاته – “جماعة” – ليس فقط توصيفًا تنظيميًا، بل تعبير صارخ عن عقلية تذيب الفرد في الكل، وتُحول المبادرة الفردية إلى خطر يُحاصر ويُخنق.
“القرار يبدأ وينتهي من فوق ” بمعنى عند تتبع سلوك المنتسبين، لا نرى مساحة حقيقية لأي تفكير مستقل أو تحرك ذاتي. في اللحظة التي يُصدر فيها القيادي أمرًا – أيا كان مضمونه – يتحول إلى فعل واجب التنفيذ بلا تساؤل أو نقاش. الطاعة هنا ليست فضيلة، بل فرض تنظيمي، تُغذى منذ أول خطوة في مسار التجنيد داخل الجماعة.
الأمر يتجاوز مجرد الطاعة؛ بل يصل حد الشلل الكامل للقدرة على الاعتراض. داخل التنظيم، لا يُطلب من الفرد أن يكون جزءًا من النقاش، بل أن يكون منفذًا فقط. قرار الجماعة هو “صوت الله على الأرض”، وأي محاولة للحياد أو الاجتهاد تُصنّف مباشرة كخروج عن الصف، ما يعرّض صاحبها للتهميش أو الإقصاء.
غسيل دماغ مغلّف بـ “التربية الإخوانية”
من اللحظة الأولى للانضمام، يخضع المنتسب إلى “منهج تربية” يروّج على أنه تثقيف ديني، لكنه في جوهره عملية تفريغ واستبدال: يُفرّغ العقل من التساؤل، ويُملأ بالطاعة، يُفرّغ من النقد، ويُغذّى بالشعارات.
بحسب شهادات لمُنشقين، فإن برامج التربية تلك لا تترك مساحة لاجتهاد فردي، بل تسير وفق خط فكري واحد موجه، يشجع على التسليم المطلق، ويجعل من الولاء للقيادة “ركنًا إيمانيًا” لا يُمس. إنها عملية “تصنيع فكر” هدفها إنتاج فرد لا يتحرك دون تصريح ولا ينطق دون إذن.
منصات التواصل نسخة إلكترونية من الانضباط الحديدي إلى الفضاء الرقمي، فيتكرّر المشهد بصورة أكثر تنظيمًا. حسابات متناسخة، ردود متطابقة، تعليقات تُكتب بنَفَس واحد، وكأنها خرجت من عقل واحد. هنا أيضًا، لا حرية رأي، بل أوامر جاهزة يتم ضخها ضمن ما يُعرف بـ “الذباب الإلكتروني الإخواني”.
وفي الأردن، يُوظّف هذا الذباب لتشويه الخصوم، وصناعة هالة مزيفة حول الجماعة. لا يمكن لأي من هؤلاء الأفراد الإلكترونيين أن ينشر تغريدة أو تعليقًا إلا بعد التوجيه. فهم لا يُعلّقون برأيهم، بل يؤدون مهمة. حتى “الصوت الحر” بينهم ليس حرًا على الإطلاق، بل مُراقب، ومُحاصر.
الاستقلال الفردي؟ خرافة تنظيمية
كل الدلائل تشير إلى أن أي فرد داخل الجماعة، لا يستطيع – ولا يُسمح له – بفعل شيء من تلقاء نفسه. حتى إن خرج برأي يخالف التوجيه، يُخضع فوره لـ “جلسة محاسبة”، وتقييم تربوي، وقد يصل الأمر إلى تجميد عضويته.
إذًا، ففكرة أن المنتسبين قادرون على التفكير الحر أو اتخاذ قرارات فردية ليست سوى خرافة تُروّج للتجميل الخارجي. أما الواقع، فهو أن الجماعة تُدار بعقل واحد، وتنفَّذ بأيدٍ كثيرة صُمّمت لتُطيع، لا لتُفكر.
في ظل كل هذا، تبقى الحقيقة واضحة: لا استقلال داخل الجماعة، ولا حرية رأي، ولا حركة دون علم القيادة. كل ما يُقال خلاف ذلك هو تزييف لا يخدم إلا الهدف الأكبر: الحفاظ على صورة “تنظيم متماسك”، ولو على حساب عقول أفراده. الجماعة لا تصنع أفرادًا أحرارًا، بل تخلق نسخًا مبرمجة، لا تتحرك إلا بأمر، ولا تنطق إلا بما يُملى عليها.