مقالات

الزعبي يكتب: التحليل القانوني لحادث الستين – إربد..

التاج الإخباري – بقلم: المحامي عبدالله الزعبي

لم توضع القوانين، ومنها قوانين السير، عبثًا، فالمشرّع لا يلغو ولا يبحث عن الاستزادة في النصوص القانونية، وإنما وُضعت هذه القوانين لتنظيم القدر الممكن من الحالة الاجتماعية، وتجنّب العشوائية في النظام العام، وضبط السلم المجتمعي.

وبالخصوص، فإن الالتفاف في الشارع بطريقة تحجب كامل الرؤية عن المركبات القادمة على الطريق العام، يُنشئ حالة من التوقّع الاحتمالي لوقوع الخطر أو الحادث، كون السائق قام بدوران كامل بعكس السير.

وحيث إن التوقّع الاحتمالي وُجد لدى الشخص، فقد فُقدت النية السليمة للتصرّف، نظرًا لوجود قواعد قانونية أولى بالأعمال، مثل:

“درء المفاسد أولى من جلب المنفعة”
“لا ضرورة في فعلٍ محظور غير لازم”
“كل إضرار بالغير يُلزم فاعله بالتعويض”
“الضرورة تُقدّر بقدرها”

وفي تحليل الواقع، نجد أن هناك علاقة سببية، وهي الرابط بين الفعل (أو الإهمال) الذي قام به سائق المركبة الأولى، والنتيجة التي حصلت، أي وقوع الحادث. بعبارة أخرى: هل كان الفعل هو السبب المباشر أو الرئيسي الذي أدى إلى الحادث؟

ولإثبات العلاقة السببية، يجب عادةً توافر شرطين رئيسيين:

السببية الفعلية (أو المادية): هل لولا هذا الفعل لما وقع الحادث؟

مثلًا: إذا قام شخص بدوران في منتصف الشارع العام بطريقة تحجب الرؤية بشكل كامل، فإن مسألة الدوران والإغلاق تُعدّ سببًا مباشرًا للحادث، كون سائق المركبة البيضاء حاول البحث عن مخرج للمرور ولم يجد سوى جانب الطريق، مما أدى إلى تهوره واصطدامه بالعمود.

السببية القانونية (أو المعنوية): هل كان من الممكن بشكل معقول توقّع أن هذا الفعل قد يؤدي إلى تلك النتيجة؟
أي أن الفعل لا يُعدّ سببًا قانونيًا إذا كانت النتيجة غير متوقعة أو نادرة للغاية. وعليه، وكما ذكرنا سابقًا، فإن التوقّع الاحتمالي واستكمال التصرّف رغم إدراك الخطر، جعلا من الحادث نتيجة طبيعية ومتوقعة، وبالتالي سببًا قانونيًا كافيًا.

إذا أردنا تطبيق العلاقة السببية على هذا الحادث، فإن أركانها جميعًا متوفرة؛ إذ لولا فعل وتصرف سائق المركبة السوداء، لما وقع الحادث. وبالتالي، فإن تصرّفه أدى مباشرةً إلى وقوع الحادث، ويُحمّل كامل المسؤولية عنه، ويجب إيداعه للقضاء، وعرضه على المدعي العام لإجراء المقتضى القانوني اللازم، تمهيدًا لإحالته إلى المحكمة.

ومن باب آخر، ولغايات الإنصاف وتحليل المشهد بشكل أدق، فإن سائق المركبة البيضاء كان يسير على أقصى اليسار (الشمال) بسرعة الطريق المحددة، والتي تكون عادة بين 70 إلى 90 كم/ساعة، بينما كان سائق المركبة السوداء يسير على اليمين بسرعة تتراوح بين 30 إلى 40 كم/ساعة. ومن هنا، لا يمكن إسقاط فرضية وجوب ترك مسافة الأمان، إذ إن كليهما كانا على مسربين مختلفين.

ما حدث هو أن سائق المركبة السوداء قام بتغيير مسربه من أقصى اليمين إلى أقصى الشمال، مع حالة دوران أغلق بها المسربين، مما أدى إلى حجب الطريق بالكامل، وقيام حالة تعدٍّ على المسرب الآخر. وهذه حالة تعدٍّ غير مباشر، قامت معها النية الجرمية عندما تجاوز الأعراف في القيادة والقانون. ونتيجة لذلك، تفاجأ سائق المركبة البيضاء، مما جعله يحاول البحث عن منفذ، فانتهى به الأمر إلى الانحراف عن جانب الطريق والاصطدام بالعمود.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى