مقالات

التصنيـف الائتمانـي للأردن: تأكيد للاستقرار ونظرة متفائلة للمستقبل

التاج الإخباري – بقلم الدكتور واصل المشاقبة

في تقييم ائتماني جديد صدر في 7 مارس 2025، أبقت وكالة ستاندرد آند بورز (S&P) على التصنيف الائتماني السيادي طويل الأجل للأردن عند BB- مع نظرة مستقبلية مستقرة، وهو ما يعكس رؤية متوازنة لقدرة الاقتصاد الأردني على التكيف مع التحديات الاقتصادية والمالية رغم الضغوط الإقليمية والدولية المتزايدة.

ويعد تثبيت التصنيف عند هذا المستوى تأكيدًا على استقرار السياسات النقدية والمالية التي تنتهجها الحكومة، وقدرتها على إدارة المخاطر المالية والاقتصادية بفعالية، الأمر الذي يعزز الثقة في الاقتصاد الوطني ويؤكد التزام المملكة بتنفيذ الإصلاحات المطلوبة لتحقيق الاستدامة المالية.

تستند وكالة التصنيف في قرارها إلى مجموعة من العوامل الأساسية التي تدعم استقرار الاقتصاد الأردني، في مقدمتها استمرار تنفيذ الإصلاحات الهيكلية الهادفة إلى تحسين الأداء المالي وتعزيز النمو الاقتصادي. وتتمثل هذه الإصلاحات في ترشيد الإنفاق الحكومي، وتوسيع القاعدة الضريبية، وتحسين كفاءة التحصيل الضريبي، فضلًا عن تعزيز الإطار القانوني والتنظيمي لجذب الاستثمارات. كما أن التعافي القوي لقطاع السياحة، الذي يعد أحد الروافد الرئيسية للناتج المحلي الإجمالي، قد أسهم في دعم مؤشرات النمو الاقتصادي، لا سيما بعد الجهود المكثفة التي بذلتها الحكومة في تطوير البنية التحتية السياحية وتنويع الخدمات المقدمة للسياح.

إلى جانب ذلك، شهدت الشراكات التجارية والاستثمارية الإقليمية توسعًا ملحوظًا، لا سيما في قطاعات الطاقة والبنية التحتية والتجارة، مما ساعد على تحسين التدفقات المالية وتعزيز التكامل الاقتصادي مع الدول المجاورة. وتواصل الحكومة الأردنية البحث عن مصادر تمويل بديلة من خلال تعزيز التعاون مع المؤسسات المالية الدولية، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي، وهي خطوة استراتيجية تهدف إلى ضمان استقرار الدين العام وتحسين قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها المالية.

الدعم الأوروبي للأردن يشكل عاملًا حاسمًا في تحقيق الاستقرار المالي. ففي 29 يناير 2025، تم توقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الأردن والاتحاد الأوروبي، والتي تضمنت حزمة دعم مالي واستثماري بقيمة 3 مليارات يورو للفترة 2025-2027. هذه الحزمة، التي توزعت بين منح مالية مباشرة، واستثمارات في البنية التحتية والطاقة المتجددة، وتمويل لتعزيز الاحتياطيات النقدية، تعكس التزام الاتحاد الأوروبي بدعم الاقتصاد الأردني واستمرارية الإصلاحات الاقتصادية. كما أن اعتماد المجلس الأوروبي في 6 مارس 2025 لموقف تفاوضي بشأن تقديم 500 مليون يورو إضافية على شكل قروض ميسرة، يؤكد المكانة الاقتصادية للأردن كشريك استراتيجي ويعزز الثقة الدولية في استقراره المالي.
رغم تعليق بعض المساعدات الأمريكية، أظهر الاقتصاد الأردني مرونة قوية في مواجهة هذه التحديات، حيث تبنّت الحكومة سياسات مالية حصيفة تهدف إلى تقليل الاعتماد على المساعدات الخارجية وتعزيز الاستقلال المالي.

ومن بين الإجراءات المتبعة في هذا الإطار، العمل على رفع كفاءة الإيرادات الحكومية من خلال مكافحة التهرب الضريبي وتحسين آليات التحصيل، دون أن يترتب على ذلك أي تأثير سلبي على ذوي الدخل المتوسط والضعيف. كما أن تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص، لا سيما في المشاريع الكبرى مثل مشروع الناقل الوطني للمياه والبنية التحتية للنقل واللوجستيات، يشكل إحدى الركائز الأساسية لرؤية التحديث الاقتصادي التي تسعى إلى رفع معدلات الإنتاجية وتحقيق نمو اقتصادي أكثر استدامة.

على صعيد بيئة الاستثمار، تعمل الحكومة على تحفيز تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر عبر تحسين الإجراءات الإدارية والبيروقراطية، وتقديم حوافز مالية وضريبية تنافسية، وهو ما يعزز قدرة الاقتصاد على خلق فرص عمل جديدة وتحفيز الأنشطة الإنتاجية في مختلف القطاعات. ومن شأن هذه السياسات أن تسهم في تعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد الأردني وجذب المزيد من الاستثمارات طويلة الأجل، بما يدعم الاستقرار المالي ويرفع من معدلات النمو الاقتصادي.

وفقًا لتقرير ستاندرد آند بورز، من المتوقع أن يسجل الاقتصاد الأردني نموًا بنسبة 2.7 % في عام 2025، على أن يرتفع إلى 3 % بحلول عام 2027، مدفوعًا بالإصلاحات المستمرة والاستثمارات الحكومية في القطاعات الإنتاجية. كما يشير التقرير إلى تراجع العجز المالي إلى 2.3 %من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يعكس تحسنًا في إدارة المالية العامة، إلى جانب استقرار معدلات التضخم عند 2.2%، مما يدل على نجاح السياسات النقدية في احتواء الضغوط التضخمية والحفاظ على استقرار الأسعار. أما الاحتياطيات الأجنبية، فقد سجلت معدلات نمو جيدة، ما يعزز قدرة البنك المركزي على دعم استقرار العملة الوطنية وتأمين التمويلات اللازمة لخدمة الدين العام.

في ظل هذا التصنيف، يمكن للأردن تعزيز موقعه الائتماني عبر تنفيذ مزيد من الإصلاحات الاقتصادية والمالية التي تضمن الاستدامة المالية وتحفز النمو. ومن بين هذه الإصلاحات، ضرورة العمل على تنويع مصادر الدخل الحكومي عبر تعزيز القطاعات الإنتاجية والصناعية، وتقليل الاعتماد على الضرائب كمصدر رئيسي للإيرادات. كما أن دعم الصادرات الوطنية من خلال تحسين تنافسية المنتجات الأردنية في الأسواق الإقليمية والعالمية، والاستفادة من اتفاقيات التجارة الحرة، من شأنه أن يعزز قدرة الاقتصاد على تحقيق نمو مستدام.

إضافة إلى ذلك، يشكل تحسين بيئة الاستثمار وتسهيل الإجراءات البيروقراطية عنصرًا أساسيًا في جذب المزيد من المستثمرين الأجانب، فضلًا عن تقديم حوافز مالية وضريبية تساعد في زيادة الاستثمارات في القطاعات ذات القيمة المضافة العالية. كما أن دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة، التي تعد محركًا رئيسيًا لخلق فرص العمل وتعزيز النشاط الاقتصادي، يجب أن يكون ضمن الأولويات لضمان ديناميكية السوق وتحفيز الابتكار.

وأخيرًا، فإن تعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي من خلال تطوير مشاريع مشتركة مع الدول المجاورة، سواء في مجالات الطاقة أو النقل أو التجارة، سيكون له أثر إيجابي على استقرار الاقتصاد الأردني وزيادة فرص النمو المستقبلي.

على الرغم من التحديات الإقليمية والدولية، فإن التصنيف الائتماني المستقر للأردن يعكس قدرة الاقتصاد الوطني على التكيف وتحقيق التوازن المالي. إن التزام الحكومة بالإصلاحات المالية والاقتصادية، إلى جانب تعزيز الإنتاج المحلي وجذب الاستثمارات، يشير إلى مسار واضح نحو تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز الاستقرار المالي والاقتصادي. ومع استمرار الجهود الحكومية والشراكات الاقتصادية الدولية، يظل الأردن في وضع قوي يمكنه من مواجهة التحديات وتحقيق نمو اقتصادي أكثر استدامة في السنوات المقبلة.

لا يمكن إغفال الدور المحوري للسياسة النقدية والمالية في تحقيق هذا الإنجاز، حيث يضطلع البنك المركزي الأردني بمسؤولية جسيمة في الحفاظ على الاستقرار النقدي من خلال تطبيق أدوات السياسة النقدية بحكمة واحترافية. وقد أثمرت هذه الجهود عن تعزيز متانة الجهاز المصرفي والحفاظ على استقرار سعر الصرف، مما عزز الثقة بالاقتصاد الوطني وقدرته على مواجهة الصدمات الخارجية. وبالتوازي مع ذلك، تساهم الإجراءات المتخذة في إطار السياسة المالية، بما في ذلك ترشيد الإنفاق العام وتحسين كفاءة الإيرادات، في تعزيز الاستدامة المالية وتخفيف الضغوط على الموازنة العامة، مما يتيح للحكومة تخصيص الموارد بكفاءة أكبر لدعم النمو الاقتصادي وتحسين مستوى معيشة المواطنين.

هذا الإنجاز، الذي يعكس العمل الدؤوب والجهود المتواصلة من قبل الزملاء في البنك المركزي ووزارة المالية، يستحق كل التقدير والثناء، ويؤكد أهمية التنسيق والتكامل بين السياسات الاقتصادية لتحقيق الاستقرار والازدهار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى