قطعية قرار المحكمة الحزبية في الفصل بين الضرورة السياسية والشرعية القانونية

التاج الإخباري – بقلم: المحامي مهند النعيمات
يعد استقلال الأحزاب السياسية ركنا اساسيا في بناء نظام ديمقراطي متماسك حيث تشكل هذه الأحزاب مؤسسات تعبر عن إرادة أعضائها وتمثل أدوات تنظيمية لضبط المشهد السياسي وفق برامجها وأهدافها الداخلية ومن هذا المنطلق يجب ان يكون لهذه الأحزاب السلطة الكاملة في اتخاذ قراراتها الداخلية بعيدا عن أي تدخلات خارجية خاصة فيما يتعلق بعضوية أعضائها والتدابير التأديبية المرتبطة بالسلوك الحزبي
ينظم قانون الأحزاب السياسية في الأردن آليات داخلية لحل النزاعات الحزبية متضمنا مرحلتين متتاليتين الأولى عبر لجنة السلوك والثانية عبر المحكمة الحزبية حيث يفترض ان المحكمة الحزبية تشكل المرجع الأعلى في النزاعات التنظيمية وهو ما يجعل قراراتها نهائية بحكم اختصاصها الداخلي غير ان الواقع الحالي يسمح بإمكان الطعن في هذه القرارات أمام القضاء الإداري وهو ما يمثل خرقا لاستقلالية الحزب ويفتح الباب امام تدخلات لا تتناسب مع طبيعة التنظيمات السياسية المستقلة
يستلزم الحفاظ على الاستقلالية الحزبية ان يكون قرار المحكمة الحزبية غير قابل للطعن خارج الأطر الحزبية ذلك ان منح أي جهة اخرى سلطة مراجعة قرارات الحزب يشكل انتقاصا من سيادته التنظيمية كما يؤدي الى خلق بيئة غير مستقرة داخل الحزب حيث قد يستغل بعض الأعضاء المفصولين هذه الثغرة للطعن في قرارات الحزب سياسيا او إعلاميا مما يحول المسألة من قرار تنظيمي داخلي الى نزاع علني قد يؤثر على سمعة الحزب ويضعفه أمام جمهوره
ان السماح بالطعن في قرارات الفصل امام القضاء الإداري قد يؤدي الى فرض ضغوط خارجية على الحزب وهو امر يتعارض مع الأسس الديمقراطية التي تستوجب تمكين الأحزاب من إدارة شؤونها دون تدخل كما ان ذلك قد يحول القرارات التأديبية الى ساحة مساومات سياسية تضر باستقلالية الحزب وتضعف هيبته الداخلية فالأحزاب ليست مؤسسات إدارية حكومية تخضع للرقابة القضائية وانما هي كيانات سياسية مستقلة تملك حق تنظيم شؤونها الداخلية وفقا لأنظمتها الخاصة
من الناحية السياسية يمثل الطعن في قرارات المحكمة الحزبية عاملا سلبيا على وحدة الحزب حيث قد يتسبب في انقسامات داخلية بين المؤيدين والمعارضين مما يخلق بيئة من الفوضى التنظيمية قد تستغلها أطراف منافسة لإضعاف الحزب كما ان ذلك قد يعرقل اتخاذ قرارات حاسمة في توقيتات سياسية حساسة مما يؤدي الى تعطيل قدرة الحزب على التفاعل مع المشهد السياسي بمرونة وسرعة
من الناحية القانونية يجب تعديل التشريع بحيث يكون قرار المحكمة الحزبية نهائيا وملزما دون إمكانية الطعن عليه امام أي جهة اخرى على ان يكون هذا القرار محصورا ضمن الضوابط التنظيمية الداخلية بما يضمن عدالة الإجراءات ويحمي الحزب من أي تدخل خارجي فالاستثناء الوحيد يجب ان يقتصر على الحالات التي تتعارض بشكل واضح مع الحقوق الدستورية كالفصل التعسفي دون سند نظامي اما غير ذلك فان الفصل الحزبي شأن داخلي لا يجوز لأي جهة اخرى التدخل فيه
ان التعديل التشريعي الذي يمنح المحكمة الحزبية سلطة اتخاذ القرار النهائي يعزز الانضباط الداخلي داخل الأحزاب ويحميها من التأثيرات السلبية للتدخلات الخارجية كما يضمن استقرارها التنظيمي ويمنع استغلال القضاء كأداة للمناورة السياسية وعليه فان منح المحكمة الحزبية سلطة اتخاذ قرارات قطعية دون مراجعة لاحقة هو ضرورة سياسية وقانونية لحماية المسار الديمقراطي وتعزيز دور الأحزاب كمؤسسات مستقلة قادرة على اتخاذ قراراتها بكل سيادة