التكنولوجيا في خدمة التراث: هل نُطلق مستقبل السياحة الأثرية في الأردن؟

التاج الإخباري – بقلم: هاني الدباس
في عالم يتسارع فيه التطور التكنولوجي، لم تعد المواقع الأثرية مجرد شواهد صامتة على الماضي، بل أصبحت فرصًا ذهبية لصناعة تجارب تفاعلية تربط الحاضر بالماضي وتفتح آفاق المستقبل. ومع دخول الذكاء الاصطناعي وتقنيات الواقع المعزز والواقع الافتراضي إلى قطاع السياحة الثقافية، يبرز تساؤل جوهري حول كيفية استثمار هذه التقنيات لإعادة إحياء كنوزنا الأثرية وجعلها جزءًا من مستقبل السياحة العالمية.
يأتي هذا التساؤل في وقت يسعى فيه الأردن إلى تعزيز اقتصاده من خلال خطة التحديث الاقتصادي، التي تهدف إلى تحفيز الاستثمار، ورفع تنافسية القطاعات الحيوية، وجعل التكنولوجيا عنصرًا رئيسيًا في تطوير مختلف المجالات. وتعد السياحة الأثرية أحد القطاعات التي تمتلك إمكانيات هائلة للنمو، لكن تحقيق ذلك يتطلب رؤية متكاملة تعتمد على الابتكار والتكنولوجيا الحديثة.
التكنولوجيا اليوم لم تعد مجرد وسيلة رفاه بل ضرورة حتمية ، بل أصبحت أداة قوية لإثراء التجربة السياحية وجعلها أكثر تفاعلية وتشويقًا.
يمكن لتطبيقات الذكاء الاصطناعي أن تلعب دور المرشد السياحي الذكي، بحيث يتمكن الزوار من التفاعل مع نظام متطور يجيب على أسئلتهم ويقدم لهم معلومات تفصيلية عن كل معلم أثري. كما يمكن الاستفادة من تحليل البيانات لفهم أنماط الزوار، مما يساعد في تحسين إدارة المواقع واستهداف الفئات السياحية المناسبة.
الواقع المعزز يمثل نافذة على الماضي، حيث يمكن للزائر توجيه هاتفه إلى أحد المواقع الأثرية ورؤية كيف كان يبدو في عصره الذهبي، مما يضيف بُعدًا تفاعليًا مذهلًا. في أثينا، على سبيل المثال، يمكن للزوار استخدام تطبيقات تتيح لهم رؤية الأكروبوليس بحالته الأصلية، فهل يمكن أن نطبق ذلك في المدرج الروماني في عمان أو في البتراء؟ أما الواقع الافتراضي، فيمكن أن ينقل التجربة إلى مستوى آخر من التفاعل، من خلال إنشاء مراكز VR داخل المواقع الأثرية تتيح للزوار السفر عبر الزمن ومعايشة الأحداث التاريخية وكأنهم في قلبها. تجربة مثل تلك التي يوفرها متحف اللوفر عبر نظارات VR تتيح زيارة المواقع التاريخية من أي مكان في العالم، فلماذا لا نقدم تجربة مماثلة لآثار جرش أو قلاع الكرك؟
التقنيات الذكية لا تتوقف عند حدود التجربة البصرية، بل تشمل أيضًا أنظمة الدفع والتذاكر الذكية التي تسهّل دخول الزوار وتوفر لهم معلومات فورية عبر رموز QR، إضافة إلى أنظمة الحجز الإلكتروني التي تساهم في تنظيم تدفق السياح وتقليل الازدحام. هذه الحلول ليست مجرد رفاهية، بل ضرورة لمواكبة التطور الذي تشهده السياحة العالمية بعد نجاح تجارب العديد من دول العالم في تطويع التكنولوجيا الحديثة لتعظيم قيمة ومردود مواقعها الأثرية والسياحية .
ان نجاح مثل هذه المشاريع لا يعتمد فقط على الجهات الحكومية، بل يتطلب شراكة مع القطاع الخاص والشركات التقنية حيث يمكن للمستثمرين أن يكونوا جزءًا من تطوير السياحة من خلال تمويل مشاريع تكنولوجية تحقق لهم عائدًا اقتصاديًا، مثل تشغيل المرافق الذكية داخل المواقع الأثرية أو تقديم تجارب رقمية مدفوعة.
ان دعم الابتكار السياحي بالتعاون مع الجامعات ومراكز الأبحاث يمكن أن يكون أيضًا مفتاحًا لإطلاق حلول تقنية جديدة تعزز تجربة الزوار.
لتحقيق هذا التحول الرقمي، يمكن للأردن أن يبدأ بعدة خطوات عملية، مثل إطلاق تطبيق وطني موحد للواقع المعزز يشمل جميع المواقع الأثرية الأردنية، وإنشاء مركز ابتكار سياحي لدعم تطوير التكنولوجيا في هذا القطاع، إضافة إلى تطبيق أنظمة حجز ذكية وربطها بمنصات السياحة العالمية لجذب المزيد من السياح.
وفق خطة التحديث الاقتصادي، يستهدف الأردن مضاعفة الدخل السياحي بحلول عام 2033، وهذا لن يتحقق إلا عبر استثمارات مدروسة في السياحة التكنولوجية. تطوير المواقع الأثرية عبر الابتكار الرقمي يمكن أن يجعل الأردن وجهة سياحية عالمية تنافس الدول الرائدة، ويساهم في تحقيق أهداف التحديث الاقتصادي من خلال زيادة الإيرادات السياحية، وخلق فرص عمل جديدة، وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
وفي سعينا نحو منافسة دول العالم في صناعة السياحة الثقافية، فلا بد من رؤية متكاملة تستثمر التكنولوجيا وتبني شراكات قوية بين القطاعين العام والخاص. فهل نحن مستعدون لنقل سياحتنا إلى المستقبل؟