الإعلام الملكي وصناعة الفراغ: كيف تركنا ساحة معركة الرواية فارغة؟

التاج الإخباري – بقلم ايمان العكور
عندما يقف جلالة الملك عبد الله الثاني أمام رئيس أمريكي غير متزن مثل دونالد ترامب، فإنها ليست مجرد زيارة عادية أو بروتوكولية، بل معركة إعلامية شرسة تتطلب استراتيجية مدروسة، سرعة استجابة، وإدارة احترافية للرواية الأردنية منذ اللحظة الأولى.
لكن ما الذي حدث؟ أين كان إعلام الديوان الملكي؟ لماذا كان الحضور الإعلامي الأردني لهذه الزيارة المفصلية ضعيفًا، خجولًا، ومقتضبًا إلى حدّ الفضيحة؟ لماذا كان أول نص رسمي للمؤتمر الصحفي لجلالة الملك صادرًا عن البيت الأبيض، وليس عن إعلامنا؟ لماذا أصبحنا ندافع عن موقف ملكنا العظيم بدلًا من أن نستبق الحدث ونفرض الرواية الحقيقية؟
لولا تغريدات جلالة الملك… لظل التشكيك قائمًا!
في غياب أي تحرك إعلامي رسمي سريع، كانت تغريدات جلالة الملك هي المصدر الوحيد الذي قطع الشك باليقين وأعاد تثبيت موقف الأردن الواضح والصريح.
شكراً سيدنا، لأنه حتى وأنت في وسط أصعب لقاء، لا زلت تفكر كصحفي، لأنك تدرك أهمية الوقت والسبق الإعلامي.
لكن هل يُعقل أن يكون الملك هو الذي يُسابق الزمن لتوضيح المواقف، بينما إعلامه الرسمي في حالة غياب؟ لماذا لم يكن إعلام الديوان الملكي هو أول من ينشر موقف الأردن الرسمي قبل أن تقع كارثة التحريف والتشويه؟
إعلام بطيء، حضور باهت، ورد فعل متأخر
هذا اللقاء لم يكن مجرد اجتماع رسمي، بل كان مبارزة سياسية مع شخصية نرجسية مهووسة بالصفقات والاستعراض. كان المطلوب أن يكون إعلامنا في الصفوف الأمامية، وليس في مقاعد المتفرجين!
لكن بدلاً من ذلك، رأينا خبرًا مقتضبًا، صورة رسمية، وعبارات مستهلكة لا تواكب الحدث. بينما كانت وسائل الإعلام العالمية تُحلّل، تقتبس، وتحرّف، كان إعلامنا غائبًا، صامتًا، ومتأخرًا عن الحدث.
لماذا لم يكن هناك فريق إعلامي مرافق لجلالة الملك داخل البيت الأبيض؟
لماذا لم يُعقد أي لقاء مع رؤساء التحرير العرب والصحفيين قبل الزيارة؟
لماذا لم يُنشر نص كلام الملك فور انتهاء المؤتمر الصحفي، بدلاً من انتظار الإعلام الغربي ليضع روايته الخاصة؟
البيت الأبيض مرجع إعلامي… فلماذا ليس الديوان الملكي؟
الحرب الإعلامية التي اندلعت منذ اللحظة الأولى للقاء الملك مع ترامب لم تكن لحظة عفوية أو مجرد رد فعل طبيعي، بل كانت حملة مدروسة وممولة مسبقًا، بوستات جاهزة، وحسابات صهيونية وحتى عربية بأسماء وهمية كانت معدة مسبقًا للانقضاض على الأردن وتشويه موقفه، وكأنها كانت تنتظر لحظة التحريف الإعلامي لتبدأ هجومها المنظم.
هذه ليست صدفة. هذا ليس مجرد سوء فهم. هذه كانت حملة مخطط لها مسبقًا، واستُخدمت فيها أدوات التضليل والتجييش الإلكتروني ضد الأردن.
لكن السؤال الذي لا مفر منه: ماذا فعل إعلام الديوان الملكي والرسمي في المقابل؟ ماذا كان الاستعداد لهذه المواجهة الإعلامية المشتعلة؟
لا شيء.
عندما يتحدث الرئيس الأمريكي، يتم نشر نص المؤتمر الصحفي كاملًا خلال دقائق، ويكون البيت الأبيض المصدر الأول والوحيد لكل وسائل الإعلام العالمية.
لكن في إعلامنا، لا تزال الأخبار تُنشر بعد فوات الأوان، بعد أن يكون التحريف قد انتشر، وبعد أن نتحول من أصحاب موقف مشرف إلى مدافعين عن أنفسنا.
إذا كان الإعلام الملكي لا يستطيع مواكبة أهمية الحدث وسرعة تفاعله، فما هي وظيفته إذًا؟
ما حدث في هذه الزيارة ليس مجرد “إخفاق إعلامي”، بل هو تقصير جسيم بحق جلالة الملك، الذي حمل مسؤولية التصدي لواحدة من أخطر القضايا أمام شخصية غير متزنة مثل ترامب، ودافع عن موقف الأردن بثبات ووضوح.
لكن بدلاً من أن يكون إعلام الديوان الملكي حصنًا يحمي هذا الموقف ويوصله للعالم بأسرع ما يمكن، ترك ساحة المعركة فارغة، وسمح للإعلام الغربي والعربي المعادي بإعادة تشكيل الرواية الأردنية وفقًا لأهوائهم.
ما حدث يجب أن يكون جرس إنذار. لا يمكن أن يستمر الإعلام الملكي بهذا الشكل المتراخي، البطيء، والذي لا يدرك أهمية دوره في حماية صورة الأردن دوليًا. نحن بحاجة إلى:
- إعادة هيكلة الإعلام الملكي ليكون استباقيًا وليس دفاعيًا، بحيث يكون أول من ينشر الرواية الأردنية، بدلاً من أن يلهث خلف تصحيح التحريفات.
- بعثة إعلامية متخصصة ترافق الملك في كل زيارة دولية، لضمان أن تكون المصادر الأردنية هي الأولى في تغطية أي حدث ملكي، وليس الإعلام الأجنبي.
- تواصل استباقي مع الإعلام العربي والعالمي قبل أي زيارة مفصلية، لضمان إيصال موقف الأردن بوضوح ومنع أي تشويه أو تحريف مسبقًا.
- تحديث استراتيجيات الإعلام الرقمي الملكي بحيث يكون لدينا منصات قادرة على نشر أي تصريح أو حدث ملكي خلال لحظات، وليس بعد أن يكون الإعلام المعادي قد سيطر على السردية.
جلالة الملك عبد الله الثاني ليس مجرد زعيم عربي عادي، بل هو قائد يتمتع بكاريزما وحضور دبلوماسي نادر، ويواجه ملفات إقليمية معقدة تتطلب إدارة إعلامية قوية توازي قوته السياسية.
لكن للأسف، في هذه الزيارة، كان الملك في أقوى لحظاته، بينما كان إعلامه في أضعف حالاته.
إذا استمر إعلام الديوان الملكي بهذا الشكل، فإننا لا نخذل الملك فقط، بل نخذل الأردن كله.