اهم الاخبارمقالات

لا تهيئ كفني ما مت بَعْدُ،،، لم يزل في أضلعي برق ورعد

التاج الإخباري – خليل النظامي

كنت ميتا وكان شغف الفضول وملكة الكتابة أوشكوا على الإفلات مني، وكنت لا أقوى على الكتابة في شيء كان، وكنت أجبر نفسي يوميا على كتابة بعض الأخبار البسيطة التي لا تتجاوز حد الأخبار الخدمية أو الاجتماعية، بعد أن كنت أكتب بشكل يومي تحليلات ومقالات وأخبار تثير القلق وتدب الرعب في قلب كل قارئ لها خاصة الفئات المستهدفة من صناع القرار وغيرهم.

وكان ابتعادي عن الكتابة والتحليل يعود لعدة أسباب أبرزها أن الكتابة لم تعد مصدر قلق لجبروت الكثير من صناع القرار، ولم تعد تروي عطش الجماهير الذي اختلفت أذواقهم وأصبحت تذهب إلى الإثارة الجنسية والاكشن بعيدا عن العلم والسياسة، إضافة إلى أن سرعة التحول الرقمي كانت كبيرة جدا لدرجة أننا لم نعد باستطاعتنا مواكبتها.

ولكن ما حصل مؤخرا مع الزميل ناشر وكالة الوقائع الإخبارية الذي تم توقيفه في محكمة أمن الدولة أثر مادة صحفية قلب كياني، وأشعل نار الكتابة والتحليل من جديد، فالغضب الذي سكنني لا يمكن لي كصحفي أن أعبر عنه إلا بالقلم فنحن أهل علم وفكر وثقافة ولا يمكن أن نعبر بطرق وسلوكيات تختلف مع فكرنا وثقافتنا وعلمنا.

والمشهد الذي تبع توقيف الزميل حداد، جعلني أؤمن أن المنظومة الصحفية في الأردن ما زال فيها أمل للنهوض من جديد، وأن أهل هذه المهنة وأبناء هذا التخصص بوسعهم أن يقلبوا الطاولة في لحظة على كل متجبر متسلط يحاول كسر القلم وتكميم ألفاه، وبرغم كل التحديات والمعيقات والمطبات الصناعية التي وضعت لعرقلة هذه المهنة وأبناءها إلا أننا اليوم أثبتنا أنه مهما غبنا عن الساحة ومهما تداعت علينا الظروف السياسية والسلطوية والاجتماعية مجتمعة فلن نهزم ولن نكسر وسنبقى السلاح الذي يدافع عن الوطن وأهله الطيبين ويظهر الحق ويدين الباطل ويكشف الفاسد والناهب.

الجميع من أبناء الوسط يعرف أنني شرس جدا، ولا أطيق المجاملة، ولا أمكيج الظروف والمشاهد لتتفق وأذواق الجماهير، وأقول الحق أينما رحلت وحللت، واليوم أقول كلمتي في هذا السرد البسيط، وأوجه رسالتي لكل جبار عتيد وكل متسلط لا يميز بين الحق والباطل، ولكل من يحاول أن يلف قلمي بقيد الترهيب، ولكل من يحاول أن يكمم فاهنا بالوعيد الشديد، أن هناك جيش من أهل الثقافة والفكر وأقلام وقعها أشد من وقع السيوف، وأصوات دويها أعظم من دوي القنابل، تستطيع قلب الموازين، واحتلال العقول والسيطرة على القلوب، وإحقاق الحق والإطاحة بكل فاسد وناهب ومتجبر مغرور بلحظة.

فعندما أقرأ كتاب للمعجزة الصادق النهيوم، أو أمر على مؤلف للدكتور عبد اللطيف حمزة، أو عندما يمر بجانبي كتاب لصحفي ماكر كحسنين هيكل، لا انفك عن التفكير للوصول إلى ما وصل الية هؤلاء، وما أحدثوه من تغيير عبر الزمان في الحياة السياسية والاجتماعية والتعليمية وغيرها من المجالات، فأنا لم أدرس الصحافة لأبقى خلف ديسك التحرير أعبث بالكلمات وأجر حروفها، ولم أسهر الليالي لأنتظر مجاملة من مسؤول أو صانع قرار، ولم أدرس الفلسفة وعلم الاجتماع وكافة مجالات الحياة لأجلس في مكتب وزير أو مستثمر رأسمالي دهقين أحتسي قهوته التي دفع ثمنها من جيبي وجيوب المواطنين البسطاء، بل درست وتعلمت لأحدث التغيير المنشود الذي ينسجم مع مبادئي وأفكاري وثقافتي وثقافة مجتمعي وأحق الحق وأطيح بالباطل، وارفع وارتقي بوطني الذي احب واريد له الخير.

كل شيء يمكن للصحفي أن يتغاضى عنه إلا أمر واحد وهو “حريته” التي تمثل له الشرف والعزة والكرامة، والتي بدونها يسير على الأرض كجثة هامدة، ويعيش كليث محاصر من سباع جبانه، وبها يشعر وكأنه إله كآلهة الإغريق واليونان على الأرض، يسير هنا وهناك ويكتب لهذا وتلك، ويعبر عن قضية وأخرى، ويحلل ويشخص ويعالج ويتساءل ويراقب ويحقق.

نعم أنا الصحفي الحر كالصقر في السماء لا يمكن لقوة في الدنيا أن تقيد قلمي وتكمم فاهي طالما أنني أحترم الآخرين واحترم النظام والقانون الذي ينظم علاقة الحاكم بالمحكوم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى