تقرير ديوان المحاسبة وماذا بعد؟!!!
التاج الإخباري – بقلم: موفق الرياحنة
للمرة الثانية أجد نفسي أمام دهاليز تقرير ديوان المحاسبة الثاني والسبعين الذي يتطلب منا جميعًا الغوص في تفاصيله المقلقة ورصد القضايا الأخطر التي وردت فيه ومع نخبة من صحفيي موقع التاج الإخباري وبتوجيه من الأستاذ نضال الخزاعلة الأكرم تم تسليط الضوء على أبرز التجاوزات التي لا يمكن وصفها إلا بالكارثية
هذا التقرير لم يكن مجرد وثيقة سنوية تُعرض فيها الأرقام والبيانات بل هو المرآة الحقيقية لما يحدث داخل المؤسسات الحكومية وبين صفحاته تتكشف ممارسات الإدارة العامة ما بين إنجازات محدودة وتجاوزات صارخة تهدر المال العام وتشكل مؤشرًا خطيرًا عن حالة الإدارة العامة وضعف آليات الرقابة
كعادته كشف التقرير عن قضايا تثير القلق من صرف آلاف الدنانير بدل سفر لموظفين ليسوا موظفين أصلاً إلى آخرين يتقاضون رواتب في موقعين حكوميين مختلفين وصولًا إلى مئات الملايين التي لم يتم تحصيلها رغم كونها حقًا للدولة بالإضافة إلى شراء مواد لا حاجة لها انتهت صلاحيتها وهي مكدسة في المستودعات
أما في قطاع الصحة فكان الوضع أكثر خطورة حيث تم الكشف عن صمامات قلبية بمئات الآلاف في مستشفى الملك المؤسس دون أدنى مسؤولية وشهادات صحية تصرف على اسماء مزيفة إضافة إلى رؤساء أقسام بلا أقسام ومديرين يفتحون حنفيات الرواتب لأنفسهم متجاهلين دورهم في الرقابة والمسؤولية.
هذه التجاوزات تعكس إشكاليات أعمق في الحوكمة والإدارة العامة فالسؤال الذي يطرحه المواطن الأردني بصوت عالٍ هو هل الدولة جادة فعلًا في تصويب هذه الأخطاء أم أن التقصير سيبقى دون محاسبة
رغم التوجيهات الرسمية المتكررة بمعالجة ما يرد في تقرير ديوان المحاسبة إلا أن المحاسبة لا تزال بطيئة تغلفها البيروقراطية وتُرحل إلى أجَل غير معلوم مما يقوض الثقة بمؤسسات الدولة وهنا يبرز التساؤل عن دور مجلس النواب الذي يمتلك أدوات رقابية وتشريعية تمكنه من مساءلة المقصرين وطرح الثقة بالحكومة إذا لزم الأمر
أما آن الأوان لتفعيل المحاسبة الفورية لكل مسؤول أو جهة ثبتت مخالفتها وإحالتهم مباشرة إلى القضاء لضمان القصاص العادل فتعزيز الشفافية يتطلب كشف الإجراءات التصويبية أمام الشعب بشكل دوري وإعادة النظر في آليات الرقابة التي يبدو أنها تعاني ضعفًا متجذرًا مع تكرار الأخطاء عامًا بعد عام
فما نحتاجه اليوم هو أفعال ملموسة تُعيد بناء جسور الثقة بين المواطن والدولة فلا يكفي نشر التقارير والتعهد بالتصويب إذ إن استمرار الوضع الحالي يعني أن يصبح تقرير ديوان المحاسبة حلقة سنوية في مسلسل الوعود المؤجلة التي تضاف إلى أرشيف الذكريات المؤلمة .