مقالات

الهروب من الحقيقة.. قراءة في بيان رئيس النظام السوري بعد سقوط دمشق

التاج الإخباري – بقلم د. عصام الكساسبة

ظهر بيان صادر عن رئيس النظام السوري المخلوع يحمل في طياته الكثير من التناقضات والمغالطات، في محاولة مستميتة لتبرير الانهيار الميداني والسياسي. البيان الذي كان يفترض أن يقدم توضيحات موضوعية حول الأحداث، بدا أقرب إلى سردية دفاعية تهدف إلى حفظ ماء الوجه في ظل انهيار الدولة ومؤسساتها.

محاولة تضليل واضحة

ادعى الرئيس أنه لم يغادر دمشق إلا بعد سقوطها الكامل، مؤكدًا أنه ظل “يتابع مسؤولياته” حتى اللحظة الأخيرة، قبل الانتقال إلى اللاذقية، ثم قاعدة حميميم الروسية. هذه الرواية تتناقض مع طبيعة الأحداث التي تشير إلى فرار مدبر بالتنسيق مع الحليف الروسي. الإخلاء السريع إلى روسيا في اليوم التالي لسقوط دمشق يعكس تخطيطًا مسبقًا للهروب، وليس صمودًا كما يحاول البيان تصويره.

تسويق بطولات وهمية

البيان تضمن إشادة مكثفة بدور الرئيس نفسه في مواجهة ما وصفه بـ”الإرهاب”، مدعيًا أنه “وقف مع جنوده وضباطه” على الخطوط الأمامية. لكن الواقع يعكس صورة مغايرة، حيث أن النظام السوري اعتمد على المليشيات الموالية لإيران وحزب الله، وعلى الدعم الجوي الروسي، لتأمين بقائه. هذه “البطولات” المزعومة لا تتناسب مع حقيقة أن الرئيس تم إجلاؤه فور انهيار خطوط الدفاع.

الإرهاب كذريعة للتنصل من المسؤولية

أحد أبرز المغالطات في البيان هو إلقاء اللوم الكامل على “الإرهاب الدولي” لتبرير سقوط الدولة، متجاهلًا تمامًا دور النظام في الوصول إلى هذه المرحلة. منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في 2011، اتبع النظام سياسة قمع وحشية حولت مطالب الإصلاح إلى حرب شاملة. استخدام الإرهاب كذريعة يخفي حقيقة أن النظام نفسه ساهم في خلق بيئة مواتية للفوضى من خلال استهداف المعارضة المعتدلة وقمع الحركات الشعبية.

رفض التنحي والمراوغة السياسية

يدعي البيان أنه لم يطرح موضوع اللجوء أو التنحي، وأنه رفض أي مقايضات على حساب الشعب. هذه الادعاءات تتناقض مع سنوات من المراوغة السياسية، حيث رفض النظام أي حلول سياسية للأزمة. التمسك بالسلطة بأي ثمن أدى إلى تفكيك الدولة السورية، وتسليم زمام الأمور لحلفائه الإقليميين والدوليين.

نهاية المشروع الوطني المزعوم

يحاول البيان تصوير الرئيس كصاحب مشروع وطني استمد شرعيته من الشعب، في حين أن الواقع يشير إلى أن النظام دأب على تعزيز الانقسام الطائفي، واستغلال مؤسسات الدولة لصالح بقائه في الحكم. سقوط دمشق وسحب القوات من خطوط المواجهة يثبت فشل هذا المشروع المزعوم، الذي لم يكن سوى واجهة للحفاظ على السلطة بأي ثمن.

المفارقة الكبرى

المفارقة تكمن في أن الرئيس الذي ادعى “الانتماء الوطني الأصيل” و”الصمود مع الشعب”، ترك دمشق تحت القصف، وركب طائرة روسية إلى موسكو فور اشتداد الأزمة. هذا الموقف يكشف بوضوح عن أولويات النظام، التي تضع بقاء القيادة فوق كل اعتبار، حتى لو كان الثمن هو انهيار الدولة وضياع سيادتها.

رواية بلا مصداقية

بيان رئيس النظام السوري ليس إلا محاولة أخرى لإعادة كتابة الأحداث بطريقة تخدم صورته الشخصية. التناقضات الواضحة، والادعاءات البعيدة عن الواقع، تعكس عجزًا في مواجهة الحقائق الميدانية والسياسية. في نهاية المطاف، هذا البيان ليس سوى شهادة على فشل نظام اعتمد على القمع والتضليل، وانتهى إلى الانهيار تحت وطأة أزماته التي صنعها بيده.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى