مراكز الإصلاح والتأهيل الأردنية.. نموذج يُحتذى في صون الكرامة وحقوق الإنسان
التاج الإخباري – بقلم العين د. عمار القضاة
في ظل ما شهدناه جميعًا خلال اليومين الماضيين من قسوة وبطش السَجّان الظالم وفرحة السجناء بالخروج من سجون القهر والانتقام والإذلال والتعذيب الممنهج في سجن صدنايا بسوريا، تلك السجون التي تحولت إلى أقبية موت، دفعتني قسوة المشاهد وظروف السجون وحالة السجناء السوريين إلى إعداد هذا التقرير.
في هذه الأثناء؛ عاد بي شريط الذكريات إلى الفترة التي كنت فيها مديرًا لمراكز الإصلاح والتأهيل لمدة عامين ونصف تقريبًا، في فترة حرجة شملت بدايات جائحة كورونا وملف الأتاوات التي فرضها أصحاب القيود الجرمية الخطيرة، وعتاة المجرمين، وتجار ومهربي المخدرات من الأراضي السورية.
كانت إدارة مراكز الإصلاح -وما زالت- حريصةً على تحقيق ظروف احتجاز تتفوق على المعايير الدولية المعتمدة بموجب الاتفاقيات الدولية؛ وتهدف تلك المعايير إلى توفير بيئة صحية ونفسية مناسبة، إلى جانب خدمات الطعام والشراب والعلاج بما يتوافق مع حقوق الإنسان ويحترم كرامته، دون أن يتعارض ذلك مع مفهوم العقوبة المحكوم بها على النزيل.
الأردن .. نموذج يحتذى به
وفي هذا الصدد؛ تميز الأردن بكونه الدولة العربية الأولى التي تطبق هذه المعايير بدقة، حيث تخضع مراكز الإصلاح والتأهيل لزيارات تفتيشية وتقييمية دورية من منظمات وهيئات دولية ومحلية، مثل بعثة الصليب الأحمر الدولية، والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، والمركز الوطني لحقوق الإنسان، والنيابة العامة ممثلة بالمدعين العامين في المحافظات.
إضافة إلى ذلك، تتابع مديرية حقوق الإنسان في وزارة الداخلية، ولجان الحريات العامة في مجلسي الأعيان والنواب، ومكتب الشفافية وحقوق الإنسان في جهاز الأمن العام، والقضاء الشرطي، والأمن الوقائي حالة النزلاء لضمان احترام حقوقهم.
سلامة النزلاء وتمتعهم بحقوقهم وفق قانون مراكز الإصلاح والتأهيل
تؤكد تقارير هذه الجهات على سلامة النزلاء وتمتعهم بحقوقهم وفق قانون مراكز الإصلاح والتأهيل، مع معالجة أي شكاوى أو انتقادات في هذا الصدد. ومع ذلك، يبقى تحدي الاكتظاظ أحد أبرز المعوقات، ما يقلل من جودة الخدمات المقدمة ويصعّب تصنيف النزلاء حسب درجة خطورتهم. وبدأ العمل على تجاوز هذا التحدي من خلال إنشاء وتوسعة مراكز جديدة.
ومنذ عام 2001، تغيّر اسم الإدارة من “إدارة السجون” إلى “إدارة مراكز الإصلاح والتأهيل”، مع استبدال فلسفة العقوبة بالإصلاح والتأهيل. يُركّز النهج الجديد على تطوير السلوك الشخصي للنزيل ومنحه فرصًا للتأهيل المهني والعلمي، بما يضمن اندماجه في المجتمع لاحقًا، ويتيح له العمل والكسب من مهن تعلمها خلال فترة محكوميته.
التوجيهات الملكية والنهج الإنساني ..
كما جاءت التوجيهات الملكية السامية واضحة في هذا السياق، حيث أكد جلالة الملك على أهمية تحويل مراكز الإصلاح إلى مؤسسات إصلاحية حقيقية، قائلاً: “علينا أن نحقق هدف هذه المؤسسات في الإصلاح وإعادة التأهيل وليس مجرد العقاب”.
وترجمت هذه التوجيهات على أرض الواقع عبر مبادرات مثل المتجر الإلكتروني لبيع منتجات النزلاء، وتوسيع المشاغل الحرفية، وتعزيز الإنتاج الصناعي والحيواني، وإتاحة فرص التعليم للنزلاء حتى مستويات الدراسات العليا. كما تم تنفيذ برامج التوجيه الديني والنفسي، والرعاية الاجتماعية، ومحو الأمية، وتنظيم المنافسات الرياضية التي لاقت قبولًا واسعًا من النزلاء والعاملين على حد سواء.
وخلال جائحة كورونا، وُضعت خطة استجابة شاملة بالتنسيق مع الصليب الأحمر الدولي، واعتمدت من المؤتمر الدولي للرعاية الصحية في أماكن الاحتجاز، للحفاظ على سلامة النزلاء.
الحقوق مصونة بلا استثناء
ومما تجدر الإشارة اليه أيضا؛ انه لا توجد في مراكز الإصلاح والتأهيل الأردنية تجاوزات على حقوق الإنسان؛ فلا إهانة ولا تعذيب، ولا يدخل محكوم أو موقوف إلا بمذكرة قضائية، ويخرج فور انتهاء محكوميته. أي تصرف فردي مخالف يُعرض مرتكبه للمساءلة القانونية.
مقارنة مؤلمة مع النظام السوري
وهنا؛ لا مجال للمقارنة أبدا بين مراكز الإصلاح والتأهيل الأردنية وتلك “الأقبية” السرية السورية؛ أما مصطلح “الذباب الأزرق ما بعرف مكانك”، المنتشر في النظام السوري البائد، لا مكان له في قاموس الدولة الأردنية؛ فهذا النظام زجّ بمئات الآلاف من الأبرياء في السجون، منهم 340 ألف مواطن فقدوا أو قتلوا تحت التعذيب دون تهمة أو محاكمة.
وتشير الشبكة السورية لحقوق الإنسان إلى وجود أكثر من 136 ألف معتقل منذ 2011، بينهم آلاف الأطفال والنساء، ما يزالون قيد الاعتقال أو الاختفاء القسري.
من حقنا أن نفتخر ..
من حقنا أن نفتخر بمؤسساتنا الوطنية، وسيادة القانون، ودولة الرحمة التي يرعاها جلالة الملك: إنها دولة تُرسَم خططها وفق توجيهات حكيمة، وتنفيذ يهدف إلى تحقيق العدالة، وحماية الكرامة، وصون الحريات.