من على حافة الهاويه، إعادة الترتيب
التاج الاخباري – الاستاذ الدكتور عبدالله سرور الزعبي .
في مقابل سابق وبتاريخ 21/10/2023 وتحت عنون غزه تغير استراتيجي في شكل الصراع، كنت قد كتبت ان ما يدور في المنطقة ينذر بتنفيذ المرحلة الاخيرة من مخططات بلقنة الشرق الاوسط، كما كنت قد اشرت بتاريخ 15/10/2023 اشرت الى ان ما حدث بتاريخ 7/10/2023 غير قواعد الصراع ورسم مفهوم جديد واسقط صفقات ورشح المنطقة لاعادة التشكيل.
دمرت غزه ولم تتحقق الاهداف الاستراتيجية التي وضعها نتيناهو، فبداءت انظاره تتجه للشمال، واجهزته الامنية التي استطاعات تنفيذ اكبر عملية اختراق امني للخصم القابع في حدودها الشمالية، وهي التي جمعت الكم الهائل من المعلومات، وكانت مظمئنة لنجاح تنفيذ عملياتها التي بداءتها باستخدام البيجر والتي حيدت الكثير من عناصر حزب الله الفاعلة، وتبعها عمليات الاغتيال المتتابعة للقيادات الرئيسية في الحزب الى ان وصلت الى رأس الهرم في الحزب، وتوجية الضربات الجوية المتلاحقة والدقيقة، مما ادى الى تدمير نسبة كبيرة من مقدرات الحزب العسكرية (يقدرها البعض بما يقارب 80℅من قدرات الحزب الصاروخية)، الامر الذي افقد الحزب وداعميه المفترضين توازنهم.
بعد ثلاثة ايام من عملية الاغتيال لزعيم حزب الله، والعالم يتنظر ما ستؤل اليه الامور، من حيث قدرة الحزب على الرد من عدمه، وفي حال الرد، هل سيكون ضمن القواعد المتفق عليها بين الاطراف والتي خرقتها اسرائيل فعلاً، وفي حال خروج الحزب عنها، والتي ستؤدي الى مواجه اكبر واجتياح اسرائيلي محدود (كون العمليات الجوية والاغتيالات تحقق اهدافها) نوعاً ما لجنوب لبنان لتدمير البنى التحتية فيه وبنية حزب الله العسكرية، واجبار سكانه على النزوح (بالفعل نزح ما يقارب مليون لبناني خلال الاسبوعين الاخيرات) لكي تنفذ اسرائيل قرار مجلس الامن رقم 1701 لعام 2006 بالقوة (وهو ما يتمسك به نتيناهو، الا انه في نفس الوقت يرفض تنفيذ القرارات الاممية السابقة والمتعلقة بالقضية الفلسطينية)، وتحقيق نصر استراتيجي لم يتمن من تحقيقة فيه غزه، رغم الدمار الذي الحقه فيها. وفي مثل هذه الحالة فان الدول العظمى ستعتبر ان شروط الحرب الشاملة لم تتوفر بعد.
على الرغم من نتيناهو يسعى الى ابعد من ذلك، وهوتوجيه ضربة الى ايران، التي لم تتجاوب حتى هذه اللحظة مع خطة نتيناهو على الرغم من عملية الاغتيال الكبرى والتي ذهب ضحيتها خمسن من المستشارين الايرانيين في سوريا في شهر نيسان الماضي. ايران في عهد الرئاسة الجديدة التي تسعى لتغير وجه ايران والتقارب مع الغرب لحماية نفسها ومصالحها وبرنامجها النووي (كان هذا واضحاً في خطاب الرئيس الايراني الجديد)، وهي تعلم جيداً الى ان انخراطها المباشر في الحرب لن يكون مع اسرائيل لوحدها، وهذا يعني خوضها حرباً، هي خاسرة فيها من الناحية العسكرية والاقتصادية وموقعها الاقليمي على الساحة الدولية. يضاف الى ذلك القناعة لدى القيادة الجديدة في ايران بان الصراع الاسرائيلي على الاراضي الفلسطينية هو يجب ان يكون محصوراً كصراع اسرائيلي عربي ومن المفترض ان لا يعنيها من الناحية الاستراتيجية، بل جل ما يعنيها المحافظة على نفوذها الاقليمي، وهي التي تعرف بان اللاعبيين الرئيسيين فيه هما اسرائيل وتركيا بالاضافة اليها من دول الاقليم.
ان ما حدث خلال العام الاخير وخاصة في لبنان خلال الايام الاخيرة، كان بدعم غربي كامل وخاصة من الولايات المتحدة لتصرفات نتيناهو ليسهل عملية اعادة ترتيب وبناء المنطقة من جديد وبالكامل، لكي تخدم المصالح الامريكية (امريكا التي عادت بقوة للتواجد في المنطقة يعد الحرب الروسية الاوكرانية وحرب غزة الاخيرة، والية تعاطيها معها، والمحافظة في نفس الوقت على علاقاتها العربية لضمان عدم توسع رقعة الحرب) والاسرائيلة لعقود قادمة.
ان ما قامت اسرائيل به خلال الاسبوع الاخيرادى الى اعطاء الحكومة الاسرائيلية قوة داخلية (خفف من حدة الانتقادات لها)، كما خلق ظروف تفاوضية جديدة لاسرائيل اليد الطولى فيها، واضعف موقف محور المقاومة الى حد كبير، خاصة ان الذراع الرئيسي للمقاومة (حزب الله) بحاجة الى وقتاً طويل لكي يلملم جراحه ويتخلص من الاختراقات الداخلية لجسمة ان استطاع. ان الوضع الذي وصل اليه حزب الله قد يمهد الطريق للاسراع في اختيار رئيساً للجمهورية ويسرع في اعادة الجيش اللبناني للانتشار والسيطرة على الامور كقوة عسكرية رئيسية في الجسم اللبناني.
في جميع الاحوال ان موضوع الشرق الاوسط، سيطر على معظم النقاشات العالمية منذ اكثر من سبعة عقود، بحيث اصبح النقاش في صراعاته المعقدة غاية في الصعوبة مع ظهور الكثير من التداخلات الدولية والاقليمية والطائفية والمجتمعية والاقتصادية وغيرها على ساحة دوله (على الرغم باها كانت محصورة في الصراع على الراض الفلسطينية)، مما جعل الكثير من دوله تعيش في حالة عدم الاستقرار. وعلى الرغم من طول الفترة الزمنية والنقاشات والقرارات الاممية المختلفة الا ان مستقبله ما زال غامض في ظل الصراعات العالمية المتزايدة على السيطرة والنفوذ في دوله، على الرغم من اهميته القصوى للامن والاقتصاد العالمي، الامر الذي يتطلب ايجاد حلول سريعة لضمان امنه واستقراره، وهذا لن يتم دون ايجاد حل جذري للقضية الفلسطينية، وهو ما يدعو له صوت الحكمة الاردني بقيادة جلالة الملك وباستمرار.
بكل تاكيد بان المنطقة مقبلة على مخاض جيوسياسي كبير، لم تشهده منذ الحرب العالمية الاولى وتنفيذ مخططات سايكس بيكو على الارض، وخاصة في غياب الرغبة الدولية لخفض التوترات وصعود جبهات متطرفة قائمة على نزعة طائفية وعرقية مختلفة في الكثير من انحائه وفي داخل اسرائيل، وهي الدولة التي من المفترض ان تكون غالبيتها من المجتمع العلماني (الا ان سيطرة المتتطرفين في الفترات الاخيرة ابعدها كل البعد عن علمانيتها، وهو الامر الواضح من الاعمال التي يقوم بها المستوطنيون منهم واعضاء الحكومة المتطرفين). ان مثل هذا الامر دفع الدول المسيطرة على الساحة العالمية للاستفادة من الوضع الجيوسياسي وعادة هيكلة المنطقة حسب ما يخدم مصالحهم ولعقود قادمة.
ان الامور التي تفاقمت منذ نهاية العام الماضي، من تدمير لغزة وما يجري على اراضي الضفة الغربية وتدير البنى التحتية في لبنان وعلى الاراضي السورية وغيرها اصاب دول المنطقة بالرعب من احتمالية تقسيمها وتنفيذ عمليات تهجير للسكان طوعا (لعدم قابلية الارض للحياة) او قصراً كما حصل في الماضي، وفرض واقعاً جديدا في المنطقة في ظل غياب وتعطيل شبه تام لهئية الامم المتحدة، التي هاجمها نتيناهو في خطابة الاخير واتهمها بمعادة السامية، ولسان حاله يقول قرروا ما شئتم وسنفعل ما نشاء. كما ان نتيناهووالذي عرض خرائط النعمة (مبيناً عليها طريق التنمية) والنقمة للمنطقة، ومطالباً العالم بالاختيار بينها، كان من المفروض عليه ان يكون قد اختار اولاً قرار الجامعة العربية لعام 2002 والمتضمن خطة السلام الشامل مع الدول العربية، والعمل على تنفيذ القرارات الاممية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، لضمان مسار النعمة الذي يدعو اليه.
اننا في الاردن نعي كل المخططات التي تسعى اليها حكومة نتيناهو من تهجيرللفلسطينين وان يكون الاردن وطن بديل لهم عن وطنهم، وهو الامر الذي تحث عنه جلالة الملك وبمنتهى الصراحة بان الاردن لن يكون وطناً بديلاً لاحد، ومن واجبنا اليوم وواجب كل الامة العربية تكثيف الدعم للاشقاء الفلسطينيين للثبات في ارضهم باعتبارهم خط الدفاع الاول عن الامة. كما اننا في الاردن نثق ثقة مطلقة بقواتنا المسلحة وهي القادرة على الدفاع عن مصالح الاردن الاستراتيجية العظمى وبقيادة هاشمية ذات رؤى ثاقبة، سبق وان حذرت قيادات وشعوب العالم من الاخطار الناجمة عن عدم حل القضية الفلسطينية على امن واستقرار العالم اجمع.