تزايد أهل الإعلام: أقصر الطرق إلى الهاوية؟

التاج الإخباري – بقلم د.محمد العرب –
في السنوات الـ 10 الأخيرة ، شهدنا طفرة هائلة في عدد المشتغلين بالإعلام ، سواء في وسائل الإعلام التقليدية مثل التلفزيون والصحافة، أو في المنصات الرقمية مثل وسائل التواصل الاجتماعي والمدونات وعالم صناع المحتوى المجنون ، بينما يمكن أن يُنظر إلى هذا التكاثر على أنه مؤشر على حرية التعبير وتنوع الآراء، هناك نظرية فلسفية تثير الجدل حول أن هذا التكاثر قد يكون بداية لانهيار أي حضارة.
في البداية، يمكن القول إن زيادة عدد المشتغلين بالإعلام يعكس تطورًا إيجابيًا نحو تنوع الآراء وحرية التعبير ، فوجود عدد كبير من الإعلاميين يساهم في تقديم وجهات نظر مختلفة ويتيح للجمهور الاطلاع على مجموعة واسعة من الأفكار والمعلومات ، هذا التنوع يعزز فرص التفاعل والتبادل الفكري بين الأفراد ومع ذلك، فإن هذا التكاثر قد يأتي بتحديات كبيرة تؤثر سلبًا على المجتمع.
إحدى أهم المشكلات التي تبرز مع تكاثر المشتغلين بالإعلام هي تضخم المعلومات وفقدان المصداقية ، في عصرنا الحالي، يواجه الجمهور كمًا هائلًا من المعلومات التي يتم ضخها عبر وسائل الإعلام المختلفة وهذا التضخم يؤدي إلى صعوبة التمييز بين المعلومات الصحيحة والمضللة، ويزيد من انتشار الأخبار الكاذبة والشائعات ، فقدان المصداقية في وسائل الإعلام يمكن أن يؤدي إلى انعدام الثقة بين الناس، مما يضعف من تماسك المجتمع ويخلق جوًا من الشك والارتياب.
أن تزايد عدد المشتغلين بالإعلام يؤدي إلى تشتت الانتباه وإضعاف الوعي الجماعي ، والمنافسة الشديدة على جذب الجمهور تدفع العديد من الإعلاميين إلى استخدام أساليب مثيرة لجذب الانتباه، مثل التركيز على الفضائح والأخبار المثيرة على حساب المعلومات الهامة والمفيدة ، هذا النوع من المحتوى يستهلك وقت الجمهور ويشغله عن القضايا الحقيقية والمهمة التي تواجه المجتمع، مما يساهم في تدهور الوعي الجماعي وفقدان التركيز على التحديات الرئيسية التي يجب مواجهتها.
من ناحية أخرى، يمكن أن يستغل البعض تكاثر المشتغلين بالإعلام لتحقيق أهدافهم الخاصة. في بعض الأحيان، تتحول وسائل الإعلام إلى أدوات للهيمنة والسيطرة، حيث يتم توجيه الرأي العام بما يخدم مصالح فئات معينة على حساب الصالح العام. هذه السيطرة على الإعلام تساهم في تفكك المجتمع وزيادة الانقسامات الداخلية، مما يسهم في انهيار الحضارة. الإعلام يصبح في هذه الحالة أداة للتلاعب بدلاً من أن يكون وسيلة للتنوير والإعلام.
يجب أن ندرك أن تحقيق التوازن بين حرية التعبير والحفاظ على مصداقية الإعلام والوعي الجماعي هو أمر حيوي لضمان استقرار المجتمع واستمرارية الحضارة. النقد البناء والتنظيم الفعال لوسائل الإعلام يمكن أن يساهم في الحد من التأثيرات السلبية لتكاثر المشتغلين بالإعلام. يجب أن نعمل على تعزيز الوعي الإعلامي بين الجمهور وتقديم الدعم للإعلاميين الملتزمين بالمصداقية والشفافية. فقط من خلال هذه الخطوات يمكننا الاستفادة من الإعلام كأداة لتعزيز الحضارة بدلاً من أن تكون بداية لانهيارها.
ختاما ينبغي علينا أن نتبنى رؤية نقدية ومستدامة لتطور الإعلام. علينا أن نبحث عن السبل التي تضمن بقاء الإعلام وسيلة لبناء الوعي الجماعي وتعزيز القيم الإنسانية، بدلاً من أن يتحول إلى وسيلة لتفتيت المجتمع وإضعاف الحضارة.
من خلال التركيز على الجودة والمصداقية، يمكن للإعلام أن يلعب دورًا إيجابيًا في تطور المجتمعات والحفاظ على تماسكها واستقرارها.