مقالات

حجاوي تكتب.. ممارسات الاستدامة تفي باحتياجات الحاضر دون المساس بقدرة أجيال المستقبل

التاج الإخباري – بقلم رولا حجاوي

تعد معايير الاستدامة متنوعة ومختلقة بحسب الأهداف والاستراتيجيات والممارسات التي تتبعها الشركة للوصول إلى النتائج القابلة للقياس والناتجة عن تطبيق ممارسات الاستدامة، وتعد تلك المعايير متطلبات الجودة والكفاءة والحوكمة الخاصة بتقييم حالة الاستدامة والضوابط المتبعة للوصول إلى العوائد الربحية المرجوة مع الأخذ بعين الاعتبار العوائد الاجتماعية المحققة.

الاستدامة

بدأ استخدام مصطلح الاستدامة للمرة الاولى في عام 1987، حيث عرفت لجنة برونتلاند التابعة للأمم المتحدة الاستدامة على أنها ” تلبية احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة أجيال المستقبل على تلبية احتياجاتها الخاصة ” منذ ذلك الحين الى يومنا هذا قامت أكثر من 140 دولة الى تبني اهداف التنمية المستدامة ضمن أولوياتها لتطبيقها على القطاع العام والقطاع الخاص والقطاع الثالث وذلك لبلورة اقتصاد متوازن ومستدام بحلول العام 2030.

تكمن قدرة ممارسات الاستدامة على تطويع الموارد والأصول الطبيعية وتحقيق العدالة الاجتماعية والنمو الاقتصادي، إضافةً إلى كونها درعاً مهماً في التصدي لحل التحديات البيئية والاجتماعية والاقتصادية على مستوى الاقتصاد للدولة الواحدة، وتضافر جهود كل دولة مع الدول الأخرى مجتمعة ينتج منه التصدي لحل المشكلات العالمية المشتركة مثل مشكلة التغير المناخي والاحتباس الحراري، ففي صيف 2023، سُجلت أعلى درجة حرارة مئوية مرصودة على الأرض.

نتيجة ً لذلك أعلنت مبادرة بريدجتاون الصندوق الاستثماري للتمويل المناخي الجديد الذي يهدف إلى تمويل الدول النامية والاقتصادات الناشئة لتحولها إلى النموذج المناخي الجديد ومساعدتها على تبني ممارسات الاستدامة وانتهاج اقتصاد عالمي منخفض في انبعاثات الكربون ومرن ومستدام مناخي، نتيجةً لزيادة فجوة تمويل أهداف التنمية المستدامة في البلدان النامية بنسبة 56% على الأقل في العام 2020 بحسب التقرير العالمي السنوي لأهداف التنمية المستدامة الصادر عن الأمم المتحدة.

الاستدامة

لا تقتصر ممارسات الاستدامة على المنظمات العالمية والحكومات والشركات القيادية الكبرى، فالجميع مسؤول وقادر على تطبيق ممارسات الاستدامة بدءاً من الأفراد وصولاً إلى المؤسسات والشركات والهيئات التي يعمل لديها هؤلاء الأفراد سواءً كانت تابعة للقطاع الحكومي أو للقطاع الخاص أو للقطاع الثالث، وذلك لأن إحداث الفرق يتطلب تضافر مجهود جميع مكونات الاقتصاد الواحد بغض النظر عن حجم أعمالها واختلاف نشاطاتها واستثماراتها وعدد موظفيها، ومن ثم تُعكس تلك الإنجازات المحققة على مستوى الدولة الواحدة لضمها إلى الإنجازات المحققة على مستوى اتحاد جميع الدول وصولاً إلى اتحاد جميع المنظمات العالمية، وذلك لإحراز الفارق في كل هدف تنموي مستدام على مستوى العالم، وصولاً لإحداث الفارق عالمياً في حل المشكلات البيئية والاقتصادية والاجتماعية.
فبحسب التقرير العالمي لأهداف التنمية المستدامة والصادر عن الأمم المتحدة فإن ما يفوق 24 ألفاً هو عدد الشراكات المسجلة عالمياً لجميع أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر لكل الدول المشاركة، الذي يوضح أهمية كل مشارك في تطور عجلة التنمية المستدامة العالمي.

معايير الاستدامة

تعد معايير الاستدامة متنوعة ومختلقة بحسب الأهداف والاستراتيجيات والممارسات التي تتبعها الشركة للوصول إلى النتائج القابلة للقياس والناتجة عن تطبيق ممارسات الاستدامة، وتعد تلك المعايير متطلبات الجودة والكفاءة والحوكمة الخاصة بتقييم حالة الاستدامة والضوابط المتبعة للوصول إلى العوائد الربحية المرجوة مع الأخذ بعين الاعتبار العوائد الاجتماعية المحققة، وذلك يتطلب تقييم وتعديل مستمر لمؤشرات الأداء الرئيسة، ولكن يعد (ESG)، وهو اختصار لمعيار الممارسات البيئية والاجتماعية وحكومة الشركات الأكثر شيوعاً لقياس الاستدامة والتأثير الأخلاقي ضمن قياس إطار العوامل غير المالية، ويستخدم كثيراً في تقييم الاستثمارات المسؤولة، حيث وصلت الاستثمارات العالمية المستدامة إلى أكثر من 35 تريليون دولار أمريكي في عام 2020، ومن المتوقع أن تتجاوز الأصول البيئية والاجتماعية والمرتبطة بالحوكمة إلى 50 تريليون دولار أمريكي بحلول عام 2025، وهو ما يمثل أكثر من ثلث الأصول العالمية الخاضعة للإدارة والمقدرة بـ 140 تريليون دولار أمريكي.

<img decoding=

أهداف التنمية المستدامة

نظراً إلى اتساع مفهوم الاستدامة وتطبيقاته الشاسعة قامت مفوضية الأمم المتحدة على صياغة أهداف التنمية المستدامة التي ترتكز على التصدي لثلاثة تحديات أساسية، وهي البيئية والاقتصادية والاجتماعية، يندرج تحتها سبعة عشر هدفاً أساسياً على النحو التالي :

  1. الهدف الأول: القضاء على الفقر
    ويندرج تحته كثير من المؤشرات من أهمها مؤشر القضاء على الفقر المدقع ومؤشر تنفيذ نظام الحماية الاجتماعية.
  2. الهدف الثاني: القضاء التام على الجوع.
    ويهتم بمؤشر الوصول إلى الأمن الغذائي ومؤشر قياس سوء التغذية.
  3. الهدف الثالث: الصحة الجيدة والرفاه
    ويهتم بالعديد من المؤشرات أهمها مؤشر زيادة كفاءة القابلات الماهرات عند الولادة ومؤشر إنهاء الوفيات تحت سن الخامسة ومؤشر إنهاء وباء الملاريا ومؤشر زيادة تغطية اللقاحات الأساسية.
  4. الهدف الرابع: التعليم الجيد
    ويهتم بالعديد من المؤشرات على رأسها مؤشر إنهاء الدراسة الابتدائية الأساسية ومؤشر تطور المنظومة التعليمية.
  5. الهدف الخامس: المساواة بين الجنسين
    ويهتم بكثير من المؤشرات على رأسها مؤشر القضاء على زواج القصر ومؤشر زيادة عدد النساء المؤهلات للمناصب السياسية.
  6. الهدف السادس: المياه النظيفة والصحة العامة
    ويهتم بمؤشر توفير مياه الشرب الآمنة العالمية ومؤشر السلامة العامة والنظافة والتعقيم العالمية.
  7. الهدف السابع: طاقة نظيفة وبأسعار معقولة
    ويهتم بمؤشر وصول الجميع إلى الكهرباء ومؤشر تحسين كفاءة الطاقة.
  8. الهدف الثامن: العمل اللائق ونمو الاقتصاد
    ويهتم بمؤشر النمو الاقتصادي المستدام ومؤشر تحقيق العمالة الكاملة والمنسجمة.
  9. الهدف التاسع: الصناعة والابتكار والهياكل الأساسية
    ويهتم بكثير من المؤشرات أهمها مؤشر التصنيع المستدام والشامل ومؤشر زيادة الاستثمار في الأبحاث والتطوير ومؤشر زيادة الوصول الى الشبكة المعلوماتية.
  10. الهدف العاشر: الحد من أوجه عدم المساواة
    ويهتم بمؤشر المساواة بين الدول.
  11. الهدف الحادي عشر: مدن ومجتمعات محلية مستدامة
    ويهتم بمؤشرات عديدة أهمها مؤشر المسكن الآمن ومؤشر المسكن بسعر معقول.
  12. الهدف الثاني عشر: الاستهلاك والإنتاج المسؤولان
    ويهتم بمؤشر تقليل استهلاك المواد المحلية ومؤشر إزالة دعم الوقود الضار ومؤشر الحوكمة.
  13. الهدف الثالث عشر: العمل المناخي
    ويهتم بمؤشر الحد من انبعاث الغازات الدفيئة على مستوى العالم.
  14. الهدف الرابع عشر: الحياة تحت الماء
    ويهتم بمؤشر ضمان استدامة المخزون السمكي ومؤشر الحفاظ على مناطق التنوع البيولوجي البحرية الرئيسة.
  15. الهدف الخامس عشر: الحياة في البر
    ويهتم بكثير من المؤشرات من أهمها مؤشر الحفاظ على مناطق التنوع البيولوجي الأرضية ومؤشر الحفاظ على مناطق التنوع البيولوجي الجبلية ومؤشر منع انقراض الأنواع.
  16. الهدف السادس عشر: السلام والعدل والمؤسسات القوية.
    ويهتم بمؤشر تقليل القتل ومؤشر زيادة الهيئات المتخصصة بحقوق الإنسان.
  17. الهدف السابع عشر: عقد الشراكات لتحقيق الأهداف.
    ويهتم بكثير من المؤشرات، ومن أهمها مؤشر تطبيق الأهداف التنموية وعقد الشراكات ومؤشر زيادة كفاءة استخدام الإنترنت ومؤشر زيادة القدرة الإحصائية.

تكمن أهمية فهم أهداف التنمية المستدامة إلى توسيع دائرة المشاركين على تحقيقها وتبني ممارسات الاستدامة ضمن استراتيجية محددة تفي بالمعايير الداخلية لاقتصاد الدولة، وتتناسب مع المعايير العالمية للتنمية المستدامة، وقد نرى أن الحكومات يقع عليها الجزء الأكبر من ناحية تبني ممارسات الاستدامة ضمن الأهداف التنموية المستدامة وإلى نشر التوعية اللازمة وسن التشريعات المناسبة حتى يتسنى للقطاع الخاص والقطاع الثالث إلى فهم آليات واستراتيجيات ممارسات الاستدامة لتطبيقها في أعمالهم ونشاطاتها ضمن ممارسات المسؤولية الاجتماعية المستدامة التي تعد نوعاً من أنواع الاستثمار الاجتماعي التي يهدف إلى تحقيق التوازن ما بين العوائد الربحية والعوائد الاجتماعية.

الاستدامة في الأعمال

ترتبط الاستدامة في الأعمال إلى انتهاج سياسات واستراتيجيات واضحة لتعزيز الأرباح ضمن نهج مستدام وإمكانية تطبيقها في جميع المراحل التشغيلية للأعمال مما ينتج من ذلك مخرجات مسؤولة وذات أثر إيجابي قابل للقياس على الصعيد الاقتصادي والبيئي والاجتماعي، والتخفيف من الآثار السلبية التي تسببها عمليات الشركة، أو بتبني أهداف تنموية مستدامة بعيدة عن العمليات التشغيلية للشركة كقيمة مضافة على أعمالها، أو بالدمج ما بين العمليات التشغيلية وتبني أهداف تنموية مستدامة مستقلة على عملياتها التشغيلية مما يؤدي إلى خلق القيمة العامة التنافسية للعمل الذي ينتهج مثل هذه الممارسات المستدامة

ولذلك يزيد من ارتباط المستهلكين وأصحاب المصلحة بالعلامة التجارية، والجدير بالذكر أن تبني ممارسات الاستدامة لا يقتصر على الشركات الكبرى، ولكن يرتبط أيضاً بالشركات الناشئة المتناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة فهي تشكل 70% من الناتج القومي المحلي العالمي، وذلك نظراً إلى أهميتها مجتمعة في انتهاج ممارسات الاستدامة التي تؤدي إلى خلق اقتصاد تنافسي مستدام، وذلك في حال كانت ممارسات الاستدامة وعي عام وثقافة مجتمعية مرتبطة بأخلاقيات الأعمال والمسؤولية الاجتماعية للشركات.

استراتيجيات الاستدامة

<img decoding=

ترتكز استراتيجيات الاستدامة على تبني خطة عمل مستدامة، ونقصد هنا بالاستدامة هي الاستمرارية في تبني ممارسات الاستدامة بصفة دائمة ضمن ضوابط ومعايير واليات عمل واضحة مما يتح للشركة القدرة على قياس الأثر وصياغة استراتيجيات الاستدامة على وعي وفهم للأهداف التي تعمل استراتيجيات الاستدامة على تحقيقها، وتنقسم استراتيجيات الاستدامة إلى أربعة أنواع أساسية وهي:

الاستدامة الاقتصادية
وهي الأهداف الاقتصادية التي تسعى استراتيجية الاستدامة إلى تحقيقها من تطبيق ممارسات الاستدامة التي تضمن استمرارية الحفاظ على الأصول المالية المتجددة، وذلك من خلال الموارد الطبيعية والحوكمة النزيهة والموازنة بين العوائد الربحية والعوائد الاجتماعية والتحقق من الأنشطة والمعايير المُطبقة لتحقيق أهداف الاستدامة.


الاستدامة البيئية
وهي الأهداف البيئية التي تسعى استراتيجية الاستدامة من تحقيقها سواءً كانت مرتبطة بالعمليات التشغيلية مثل استخدام الطاقة المتجددة والنظيفة في التصنيع والتقليل من انبعاث الكربون والتقليل من النفايات الورقية والبلاستيكية والتشجيع على النقل المستدام أو من خلال تبني أهداف وممارسات مستدامة منفصلة عن العمليات التشغيلية مثل المشاركة في مبادرات التشجير ومبادرات المنازل الصديقة للبيئة ومبادرات الزراعة والأمن الغذائي.

الاستدامة الاجتماعية
وهي الأهداف الاجتماعية التي تسعى استراتيجية الاستدامة من تحقيقيها والحفاظ على رأس المال الاجتماعي، ويمكن أن تكون مرتبطة بالموظفين العاملين في الشركة، وذلك من خلال تحقيق العدل الاجتماعي والمساواة المرتبط بالموظفين وتفعيل العمل التطوعي وانتهاج الشفافية ما بين أصحاب المصلحة سواءً كانوا موردين أو مستثمرين أو مستهلكين والالتزام بمعايير الحوكمة والنزاهة، أو قد تكون مرتبطة بتبني ممارسات الاستدامة الاجتماعية في المجتمع الذي تعمل فيه الشركة من خلال مساندة المنظمات الاجتماعية والتنموية.

الاستدامة البشرية
وهي الأهداف التنموية المستدامة التي تسعى استراتيجية الاستدامة من تحقيقها من خلال الاستثمار في تطوير التنمية البشرية، وذلك بتحسين الأنظمة الصحية والوصول إلى الخدمات وتطوير المعرفة والأبحاث والمنظومة التعلمية.

الجدير بالذكر أن استراتيجيات الاستدامة وممارسات الاستدامة تُصاغ، وتطبق بحسب خصوصية كل شركة أو هيئة أو مؤسسة، وذلك بناءً على أهدافها واستراتيجياتها وآلياتها التشغيلية التي تتقاطع مع أهداف الاقتصاد التي تعمل فيه، الذي هوه بدوره يتقاطع مع أهداف الاقتصاد الدولي، وقد تتراوح استراتيجيات الاستدامة من تبني ركيزة أو استراتيجية واحدة وصولاً إلى استراتيجيات مركبة ومتراكمة تجمع في أهدافها كثير من الأهداف التنموية المستدامة، المهم هو قدرة الشركة على تحقيق الكفاءة في ممارسات الاستدامة ووصولها إلى أهداف مؤشرات الأداء الرئيسة الصحيحة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى