غزة.. إشكالية “اليوم التالي” والسيناريوهات المطروحة

التاج الإخباري – بقلم: رجا طلب
بات موضوع اليوم التالي للحرب على غزة يحتل مكانة متقدمة جدا من البحث والنقاش ليس لدى الاحتلال فحسب بل على المستوى العربي والأميركي والغربي، وبدأت أطراف فلسطينية تدلي بدلوها في وضع التصورات الخاصة بهذا الأمر وإلى لحظة كتابة هذه السطور لم يتم التوصل بعد إلى اتفاق على تصور معين يمكن تسميته «خطة اليوم التالي»، والسبب وراء تأخر مثل الاتفاق على مثل هذه الخطة يعود بالدرجة الأولى إلى التناقض والتعارض بين الأطراف المتعددة التي لها مصالح بصورة أو باخرى في واقع قطاع غزة ومستقبله، بما في ذلك الاحتلال المعني أكثر من غير من الأطراف بتحديد شكل «اليوم التالي» للحرب من عدة زوايا سواء الزاوية الأمنية والعسكرية أو السياسية والاقتصادية، وفي الحالة الإسرائيلية يمكنني القول أن هناك ثلاثة تصورات أساسية تحمل في طياتها رؤى متباينة ذات طابع أمني أو أيدولوجي، وهذه التصورات هي:
أولا: تصور نتنياهو المستند لمقولة (لا حماستان ولا فتح ستان) والمقصود فيها أن السلطة الفلسطينية والفصائل الفلسطينية غير مسموح أن يكون لها أي دور في إدارة أو حكم غزة بعد انتهاء الحرب، ويطرح نتنياهو إدارة بديلة تتكون من بعض العشائر أو «الحمايل» على غرار تجربة الصحوات في العراق إبان حكم نوري المالكي وتحديدا في منطقة الأنبار وقتذاك، بحيث تتولى هذه العشائر إدارة القطاع أمنيا ولوجستيا وتتولى توزيع المساعدات تحت إشراف غير مباشر من جيش الاحتلال وهو تصور يواجه صعوبات جمة أبرزها صعوبة إقناع أي جهة محلية في القطاع من ?لتعاون مع الاحتلال والتطوع لخدمة أهدافه مهما كانت خلافات هذا الطرف مع حركة حماس وتجربة حكمها في للقطاع.
ثانيا: التصور الخاص بوزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت والمتمثل بالتفاهم مع السلطة الفلسطينية في رام الله، من أجل أن تتولى إدارة أمور القطاع أي دخول القطاع على بوز الدبابة الإسرائيلية، وقد أخذت وسائل الإعلام الإسرائيلية بطرح اسم ماجد فرج مدير المخابرات الفلسطيية لتولي هذا الملف وهذه المهمة، وعلى الرغم من أن السلطة الفلسطينية لم تنف هذه المزاعم إلا أني اعتقد أن هناك أطرافا داخل السلطة ليس لديها أي مانع من أن تمارس دورا ما في القطاع، وفي التقدير أن احتمالية مثل هذا السيناريو واردة الى درجة ما.
ثالثا: التصور الخاص بالأحزاب الدينية الحريدية أو الاحزاب اليمينية المتطرفة المشاركة بالائتلاف الحكومي وبخاصة تصور بن غافير وسموتريش والداعي إلى إعادة احتلال كامل قطاع غزة والبدء ببناء المستوطنات فيه وبكثافة كجزء من منظومة الأمن في القطاع ومنع أي إمكانية لعودة حركة حماس كقوة عسكرية وسياسية وهو تصور لا يلقى أي قبول لا داخل دولة الاحتلال ولا في الإقليم ولا لدى واشنطن التي تصر على أن الحل الأمثل هو إعادة القطاع ليكون تحت سيطرة السلطة الفلسطيية كما كان قبل حزيران من عام 2007 أي قبل سيطرة حركة حماس على القطاع وذ?ك في إطار ما تسميه «حل الدولتين».
أما خارج «عقل الاحتلال» فكان هناك تصور فلسطيني طرحته شخصيات وطنية مستقلة ويتمثل هذا التصور بتشكيل حكومة تكنوفراط فلسطينية مشهود لها بالكفاءة والنزاهة تتولى إدارة القطاع وبخاصة ملف الإعمار وإعادة ترميم البنى التحتية فيه، وذلك بتوافق وطني فلسطيني ودعم إقليمي واسع يضم مصر والأردن والإمارات وقطر والسعودية، إلا أن التغيير الحكومي الذي تم قبل عدة أيام في رئاسة وزراء السلطة الفلسطينية وتعيين محمد مصطفى رئيسا للوزراء بخلاف ما اتفق عليه في تفاهمات موسكو بين الفصائل، قد عرقل هذا التصور وقد يكون قد انهاه بشكل كامل، و?ي كل الأحوال يبدو لي أن أي تعاط مع قطاع غزة على أساس أن «حماس» خارج الحسابات سيكون مصيره الفشل، والسبب هو أن الحركة باتت حالة متجذرة في القطاع وإلى حد كبير في الضفة الغربية، الأمر الذي يحتم على راسمي خطط «اليوم التالي» للحرب على غزة أخذ هذه الحقيقة بنظر الاعتبار ووضعها كجزء أصيل في المعادلة.