مقالات

الشاعر العربي صالح الشادي يرثي والدته.. “هذا حالي الان”

التاج الإخباري – رثى الشاعر العربي د صالح الشادي، عبر منصته على فيسبوك والدته في منشور يوجع القلوب .

وكتب في رثاءه :

اعتدت ان اهاتفها أو ان اكون بجانبها في كل عام في شهر رمضان .
‏هذا العام دخل علي الشهر وانا اتنقل بين المشافي والمدن بسبب وعكة مزعجة لم تستأذنني ولله الحمد على قدره .. وعكة زاد المها غياب والدتي وبعدي عن دفء الاهل والاسرة .. وليعذرني صديق الروح انور بن الثامر بن مهيد شافاه الله على اخلالي بوعد لم استطع الوفاء به لكن الايام قادمة وستجمعنا على خير .
‏حين رحل والدي الغالي.. كنت واخواني في سن العنفوان ولم تشعرنا الوالدة بثقل الفقد أو بمرارة اليتم والغياب فقد عملت الكثير لتعوضنا عن كل شيء وعن أي شيء .. افنت صحتها وشبابها وكل طاقتها لنكون .. ولنبقى على صلة مع كل الاشقاء ومع الحياة .. صبرت على الكثير من مواجع البعد وقسوة الدنيا .. وجاهدت وصبرت حتى ترى ابناءها وبناتها في احسن حال.

تخلت عن الكثير من كماليات الحياة لتدعم مسيرتنا ولترفدنا بالطاقة والبركة ولتشاهدنا وقد اصبحنا سعادة وكيل الامارة وصاحب الفضيلة رئيس النيابة والدكتور والمهندس وغيره .. وامتد اهتمامها وفضلها الى الاحفاد لترى فيهم الاديب والطبيب والضابط والمحامي .. الخ . وحتى ابنائي وبناتي الذين تجاوزوا العشرة لم تبخل عليهم بالوقت ولا بالجهد ولا بالرفقة والاحتواء .
‏لم اسمعها تشتكي من الم او تتذمر من اي حال صعب طيلة حياتي معها .. كانت متفائلة مبتسمة تحاول ان تحتويني بجمال روحها وطهارة نفسها اغلب الاوقات رغم اني كنت الاكثر قشارة ومشاكسة بين ابنائها .. كانت كثيرة الحمد تظهر الرضا والارتياح دائما .. رغم معرفتي بوضعها الصحي الصعب ومرافقتي لها في اكثر من رحلة علاج .
‏حتى في زمن الوالد رحمه الله حين كان مفوضا ومسؤولا وقائدا امنيا. لم يكن مجلسها اليومي يخلو من الزائرات من طالبات الحاجة المادية او المعنوية او الفزعة لازواجهن او ابنائهن ورغم معرفتها بالنظام الا انها كانت تحرص على ان لاترد احدا ولا ان لاترى عين ام تبكي او قلب زوجة يتوجد .. وكان والدي يسايرها على مضض احتراما لانسانيتها العالية دون اي اخلال بالقانون او مساس بالحق او النظام .
‏قبل زمن. فاجأني بعض الأمناء بصور ووثائق تشير الى ان لي مساجدا تحمل اسمي ومشاريع آبار وسقاية في اكثر من مكان واراض مشاعة للخير على هذا الكوكب .. لم اكن اعلم بها .. كانت الوالدة وعلى مدار سنوات توكل الثقاة من المختصين ليقيموها هنا وهناك ليكون اجرها لي !
‏حتى هداياي لها التي كنت اقدمها على استحياء كلما زرتها او تشرفت برؤيتها طوال السنين التي خلت كانت قد استثمرتها في اوجه الخير باسمي ..
‏بعد رحيلها.. حين قُرأت علينا وصيتها .. اشارت عقب مقدمة حب وايمان عظيمة الى انها احتفظت ببقية هداياي بكل اشكالها التي لم تنفق في مشاريع الخير. وتطلب اعادتها الي ! كان طلبها الوحيد الذي يخصها ان نبني مسجدا من مالها الخاص في افقر قرى العرب والمسلمين .. وان يستمر دعم بعض الاسر الفقيرة واسماء بعض الايتام التي حددتها في كل رمضان والتي كانت تدعمهم دون ان نعرف ونحن الاقرب اليها ..
‏هذا شيء يسير يخصني وما يخص الاخوة والاخوات اكثر .
‏لم يكن يوم رحيل والدتي رحمة السعيد يوما عاديا ابدا .. وحتى في ايام العزاء كنت اسمع من الرجال والنساء من كبار السن ممن عرفت وممن لم اعرف من اهل حائل و ⁧‫القريات‬⁩ قصصا ووقفات لوالدتي وددت لو دونتها واشهرتها وتباهيت بها .
‏كان لعزاء قيادتنا الرشيدة حفظها الله وعزاء الاحبة من رجالات الدولة ورموزها والاصدقاء والمحبين والاقرباء اثره في تخفيف المصاب قليلا .. لكن الحزن لم يكن ليفارق.
‏اليوم حين عدت الى البيت بعد انقطاع من المشفى اوصى الطبيب بمنع الزيارة عني الى حين .. دخلت مع نفسي وسافرت مع ذكريات رمضان ومواقف الوالدة ذات الشجون .. لكن زوجتي العزيزة ارادت ان تبهجني قليلا فأدخلت علي الابن الصغير تركي . احتضنني بقوة .. سألني عن سبب تغير صوتي قلت له لاني مريض حاول نزع الماسك عن وجهي قلت له احذر كي لا اعديك ياحبيبي .. لم يعرف معنى الكلمة لكنه بدأ يمسح الدموع التى كانت تنهمر لاشعوريا من عيني بيديه الصغيرتين .. قال انت رجال وتبكي يابابا .. ؟! قلت من الم المرض . نادى على امه قائلا “ماما اتصلي على جدتي رحمة وقولي لها بابا صالح مريض وجالس يبكي”.
‏نعم ابكي ولم لا ابكيك يا أعظم ويا اجمل ويا اغلى الامهات ..

‏اللهم ارحم أمي التي حن لها قلبي وهي تحت التراب. اللهم أنزل عليها نوراً من نورك ونوِّر عليها قبرها ووسِّع مدخلها وآنس وحدتها واجمعني بها في جنتك يارب العالمين.
‏وارحم كل الامهات برحمتك يارحيم .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى