الإفراط في أبحاث سكوباس

التاج الإخباري – د. أشرف الراعي
منذ مدة ليست بالطويلة، بدأت جامعاتنا تجهد وتشترط لتعيين أعضاء الهيئة التدريسية أن يقوموا بنشر أبحاث في مجلات علمية مصنفة ضمن قاعدة البيانات Scopus وهي قاعدة بيانات تسهم في تصنيف، وتقييم الجامعات في مختلف أنحاء العالم، كما تعمل على نشر الاستشهادات الموضوعية من خلال ما يقارب 20 حقلاً وبنداً موضوعياً في حقول العلوم المختلفة، والواقع أن هذا الشرط على أهميته ودوره في رفع التصنيف الأكاديمي في الجامعات لا ينبغي أن يكون هدفاً فقط من دون النظر إلى الجوانب الأخرى للبحث العلمي التي تجعل المجتمع يستفيد من البحث العلمي وليس مجرد أرقام وإحصائيات من دون أي إفادة حقيقية.
شخصياً، قمت بنشر عدد من الأبحاث في مجلات تنتمي لهذه القاعدة العلمية المهمة، كما نشرت أبحاثاً في مجلات علمية وأكاديمية وطنية ومنها مجلة جامعة العلوم الإسلامية العالمية، ومجلة جامعة الزيتونة ومجلة جامعة مؤتة وغيرها، وما لاحظته أن الاستشهادات والعودة إلى هذه الأبحاث (المنشورة باللغة العربية) والإفادة منها قد فاقت بكثير ما هو منشور في المجلات المصنفة ضمن “سكوباس”، وذلك من وجهة نظري لغايات عدة أهمها وأبرزها؛ إمكانية استفادة المجتمع من المنشور في المصادر التي يمكنه الوصول إليها بسهولة نظراً لمعرفته بها من جهة، فضلاً عن إمكانية الولوج إلى المحتوى وفهمه وتطبيقه وليس كما هو الحال بالنسبة للمجلات المصنفة ضمن قاعدة البيانات التي أصبحت شهيرة، والتي يمكن أن لا تحقق الغاية من البحث إلا إلى المجتمعات الناطقة باللغات الأجنبية نظراً لمحدودة النشر في اللغة العربية.
وعليه، فإن من المهم اليوم ليس فقط الإفراط في النشر من خلال المجلات المصنفة ضمن قاعدة البيانات، وإنما رفع سوية مجلاتنا العلمية للدخول إلى هذه القاعدة المهمة من جهة، والارتقاء بالبحث العلمي من جهة أخرى وتعزيز دور جامعاتنا الوطنية في البحث العلمي ودعمه في شتى العلوم والمجالات بما فيها المجالات الإنسانية والثقافية التي تعد من المجالات التي تعاني محدودية في الدعم، وهذه ليست مسؤولية الجامعات فحسب بل مسؤولية القطاع التعليمي برمته، ومسؤولية وزارة التعليم العالي والبحث العلمي ومسؤولية الأكاديميين، فضلاً عن مسؤولية الدارسين والباحثين الذين يتوجب عليهم تقديم أبحاث تقدم النوع على الكم لا العكس.
الإفراط في نشر الأبحاث من خلال قاعدة سكوباس لا يجعل الباحث متميزاً؛ فجميع أساتذتنا الذين يشار لهم بالبنان في السلك الأكاديمي لم يكونوا يعرفون هذه القواعد لا بل قدموا وأعطوا للعلوم الكثير، واليوم بإمكان الجيل الجديد الارتقاء بمستوى مهاراته في البحث العلمي في ظل التقدم والتطور التقني الذي نشهده ابتداء من انتشار أنظمة الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية والمنصات الرقمية، وغيرها وحتى وجود قواعد بيانات ضخمة يمكن الوصول من خلالها إلى أي معلومة يمكن أن تشكل إضافة نوعية، لذا فإن الإفراط في نشر أبحاث بلغات أجنبية من خلال قاعدة البيانات ليس حلاً وإنما الحل رفع سوية مجلاتنا الأكاديمية والبحثية والارتقاء بها ودعم البحث العلمي والباحثين والاهتمام بالنوع وليس بالكم وبذلك ننتج جيلاً قادراً على خدمة وطنه وتعزيز مكانة جامعاته في آن واحد.
والله من وراء القصد