عندما تكتب الملوك جلالة الملك حل الدولتين انتصار لإنسانيتنا ” الواشنطن بوست”
التاج الإخباري – بقلم: د. دانييلا القرعان
مقال جلالة الملك عبد الله الثاني المعظم هو لا شك ترجمة وتأكيد على خطابات جلالته ومقولاته السابقة إزاء حرب همجية لا تستند الى أي قانون، حرب همجية وجهت للأهل في فلسطين عامة، وقطاع غزة خاصة، جلالته ومن خلال مواقفه الثابتة تجاه القضية الفلسطينية وضع العالم في هذا المقال المهم والذي ينم عن قائد حكيم فذ، أمام مسؤولياتهم الإنسانية والأخلاقية، فالتاريخ لا يرحم أحدا مهما كانت منزلته أو موقعه خصوصا هؤلاء المتقاعسين لوقف نزيف الدماء نتيجة الحرب المدمرة، والانحياز التام للموقف اللاإنساني واللاأخلاقي إزاء ما يتعرض له قطاع غزة.
من المؤكد والذي لا يدع مجالا للشك أن صوت العقل محصور في جلالة الملك عالميا، وجلالته يضع لغة العقل باستمرار في خطاباته، وجلالته يحدد نهجا يحذر من خلاله من حرب قادمة طاحنة تقترب من الجنون. جلالة الملك في هذا المقال أعاد التأكيد على حل الدولتين وعودة الأفق السياسي، وبدون حل للدولتين وإحلال عملية السلام، سيبقى الحال على ما هو عليه بل وسيزيد تعقيدا، وحذر جلالته من تبعات الحرب والتي ستزيد اشتعالا إذا لم يتم وقفها اليوم، ولا يتم وقفها إلا بحلول سليمة سياسية.
نقطة على غاية من الأهمية تطرق لها جلالة الملك القائد، لن يكرر الغزيين النكبة من جديد، ولن يكرروا ما أقدم عليه من سبقهم من موضوع التهجير، الغزيين شعب يرمز للصمود والعز، ولن تخيفهم منشورات ورسائل عبر هواتفهم تجبرهم على مغادرة بلادهم، ولن يعيروها على محمل الاستجابة. ما يريده الاحتلال من التهجير هو ضرب من الخيال، فالغزيين ما عادوا يخافون ولن يتركوا أرضهم، وخير دليل على ذلك عدد الشهداء حتى الآن الذي ارتقت أرواحهم الى الله، وكذلك التأقلم مع الأوضاع الصعبة في ظل حرب دائرة وقصف وتدمير ومجازر دون التفكير بمغادرة وطنهم، وكانت هذه المقال التي تحملت رسائل مهمة بمثابة حسم عملي لما يسعى الاحتلال الإسرائيلي لتحقيقه في تخويف الغزيين وإجبارهم على النزوح.
جهود عظيمة وحثيثة لجلالة الملك في ظل ما يعانيه العالم اليوم من صمت شبع عالمي رسمي وعلى أقل تقدير متواضع خجول حول الانتهاكات الإسرائيلية التي لا تتوقف، جهود لا تكل ولا تمل في نصرة القضية الفلسطينية ووقف العدوان المغتصب على أهلنا في غزة الصمود. في ظل حرب تفتقد للأخلاق والإنسانية، كان موقف الأردن قيادة وحكومة وشعبا ثابت لا يتغير من تكرار أن ما يقوم به الاحتلال الإسرائيلي ما هو إلا تعد صارخ على الشرعية الدولية.
خطاب ملكي وقلم رصين ومنهج يحاكي المنطق والقانون والإنسانية، ويشخص واقع الحال، ويتنبأ بالمستقبل. إضاءات ووقفات المقال الذي نشر في صحيفة واشنطن بوست في الرابع عشر من شهر تشرين الثاني يحمل بين مضامينه توازنا فكريا وعالميا، وتشخيص للحالة الأخلاقية والإنسانية والعالمية بصورة دقيقة وواضحة ودون مواربة.
” قتل أكثر من 11 ألف فلسطيني بسبب القصف الإسرائيلي العشوائي على غزة، ويلقى آلاف الأطفال حتفهم تحت أنقاض المنازل والمدارس والمستشفيات المدمرة في غزة… وباسم إنسانيتنا المشتركة، كيف يمكن قبول مثل هذه الأعمال الوحشية وجرائم القتل؟ … إن المعاناة الإنسانية والتوترات العالمية التي نعيشها اليوم تحثنا على الالتزام بمعايير الإنسانية قبل أن نصل الى نقطة الانهيار الأخلاقي للجميع”. هذا بعض ما كتبته جلالة القائد بمقال يعتبر من أهم ما كتب وتحدث به الزعماء والملوك والقادة حول العالم.
“القيادة الإسرائيلية التي لا ترغب في سلوك طريق السلام على أساس حل الدولتين لن تكون قادرة على توفير الأمن الذي يحتاجه شعبها” كلام واضح وصريح ويؤكد العبارة التي لا تخلو منها خطابات جلالة الملك حول لا سبيل لوقف إطلاق النار، ووقف العدوان الغاشم على غزة والضفو الغربية إلا بحل لدولتين، وسلك طريق السلام، وكان جلالته واضحا بتوجيه رسالته الى القيادة الإسرائيلية بأنه لا يمكن للإسرائيليين الاعتقاد بإن الحلول الأمنية وحدها ستضمن سلامتهم واستمرارهم في حياتهم كالمعتاد، بينما يعيش الفلسطينيون البؤس والظلم.
تطرق جلالته بنقطة على درجة كبيرة من الدقة وهي أن بغياب الأفق السياسي لن يكون هنالك مستقبل من السلام ما بين الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء، وتحدث جلالته عن المسؤولية العربية والدولية والتي تتمثل بإن مسؤوليتنا في الوقت الراهن لا تنحصر فقط بفرض التدخل الإنساني وإنهاء الحرب المروعة، بل الاعتراف أيضا بإن المسار الحالي هو ليس مسارا ينتصر فيه أي طرف.
جاءت هذا المقال والتي أستطيع وصفها خير ما قبل حول الوضع الحالي في وقت أعلن فيه الجيش الإسرائيلي تنفيذ عملية دقيقة وموجهة من داخل مستشفى الشفاء، وهو أكبر منشأة طبية في قطاع غزة، ومن المفترض أنه محمي بموجب القانون الدولي.