مقالات

نصر تكتب..السنة الدولية للحوار كضمان السلام الشرق الأوسط نموذجاً

التاج الإخباري – بقلم كريستين حنا نصر

ان مصطلح السلام يتضمن دلالات وأبعاد اجتماعية واقتصادية وسياسية عميقة وشاملة، وحيثما ينعدم السلام فانه بالضرورة تتلاشى معه أي إمكانية للشعور بالطمأنينة والاستقرار وبالتالي العطاء، لذلك ينبغي عند دراستنا لفلسفة السلام ، أن نفرق بين عدة اقسام هي : السلام الذاتي للانسان ، والسلام بين الافراد على اختلافهم في وطنهم، والسلام المجتمعي المتضمن شعور كل فرد وتلمسه للسلام داخل وطنه، وعند التعمق في هذه الاقسام يتضح لنا بأن السلام الفردي الذاتي يكون بين الروح و النفس، حيث يجب ان يكون الانسان متسامحا مع نفسه، ويتمنى للاخرين على اختلافهم ما يتمناه لنفسة، أما السلام المجتمعي فهو الناشىء بين أبناء المجتمع الواحد على اختلاف اجناسهم واعراقهم، إذ ينبغي أن يحترم كل شخص الاخر وبالاخص الاخر المختلف عنه، بما في ذلك احترام الضعيف والذكر والانثى، كما ينبغي تقدير خصوصية الاخر المختلف عنك في العقيدة و المذهب والديانة و القومية و اللغة، وبالمحصلة فالفرد المسالم هو من يُقدر الجميع على اختلاف منابتهم واصولهم، يسعى باستمرار نحو ضمان حصول الجميع على حقوقهم المتساوية العادلة، خاصة أن القاعدة الربانية الثابتة هي أننا ارواح متساوية في هذا الكون، خلقنا الله وانعم علينا بالرحمة، وعليه يمكن القول أن كل هذه الاعتبارات والقواعد الاخلاقية السابقة، هي جزء اساسي ولا يمكن أن تتجزأ في الوطن الذي نشترك فيه بالعيش والعطاء والنماء وعلى الرغم من أن هذه الفسيفساء الجميلة السلمية، هي التى تشكلت منها بنية مجتمعاتنا العريقة في الشرق الاوسط منذ عصور تاريخية قديمة، الا أننا نلحظ اليوم غياب للأمن والسلام . لقد حظيت ثقافة السلام وأولوية الترويج لها وتعميمها باهتمام كبير من خلال الاتفاقيات والمعاهدات والتفاهمات واللوائح الدولية المتعلقة بالقانون الدولي وحقوق الإنسان، لذلك صدرت العديد من القرارات الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بهذا الخصوص منها القرار رقم( AREST /77/32) الصادر بتاريح 2022م، والمتعلق باعلان سنة عام 2023م (( السنة الدولية للحوار كضمان السلام))، حيث ربط الحوار في العملية السلمية، اذ انه يلعب دور مركزي في تعزيز العلاقات الودية القائمة على التسامح والتعايش والمفضية بالضرورة الى السلام، وهنا اقتبس من الميثاق التاسيسي لمنظمة الامم المتحدة للتربية والعلم والثقافة ما نصه : ” لما كانت الحروب تتولد في عقول البشر ، ففي عقولهم يجب أن تُبنى حصون السلام”، وهذا معناه أنه من ذاتنا ولمصلحتنا وبأيدينا يصنع ويرسخ السلام، ولارتباط السلام بالعلوم بوصفها تعبر عن انسانية الانسان وغايته في الوجود كان يوم غد يصادف يوم 10 تشرين الثاني (( اليوم العالمي للعلوم من أجل السلام والتنمية))، وبالتالي نجد أن السلام يتجاوز في معناه الطمأنينة والتسامح ليشمل الاستقرار والتنمية والاصلاح والديمقراطية . ولكن وعلى الرغم من وجود ما يمكن تسميته بنظرية السلام سواء في عقائدنا أو انظمتنا القانونية ، الا أنه للأسف لم يشهد الشرق الاوسط سلام و استقرار وأمن حقيقي ، خاصة ما نتلمسه في هذه الايام من صراعات وتحديات سواء اندلاع ما يسمى بالثورات المطالبة بالديمقراطية في زمن أطلق عليه البعض الربيع العربي ، والتي نتج عن معظمها أي الثورات إسقاط لانظمة حاكمة في بلدانهم ، و لكنها سرعان ما تحولت وبحسب مراقبين وكذلك بنظر الشعوب نفسها الى حالة ((العسكرة الحاكمة))، وبالتالي بدأ الشرق الاوسط يشهد على خلفية هذه التطورات صراعات مذهبية وعرقية ومناطقية، الامر الذي ترتب عليه حالة واقعية سمتها ضعف الدولة ، وانبعاث فوضى عارمة فيها، خلصت الى بروز ما يمكن تسميته بانفتاح شهية التدخل الخارجي، وعلى سبيل المثال ما نراه من واقع الدولة السورية وظهور ملامح واضحة حولتها الى حلبة صدام، سمحت لعدة أطراف خارجية المشاركة فيها، وبالطبع كانت المصالح والتطلعات هي محرك الصراع لا البحث عن السلام المجتمعي . ان الحصول على السلام والسير على خطوات تقودنا اليه، يجب أن تكون أولاً وأخيراً بتحول جذري نحو ديمقراطية حقيقة فعّالة، يلمسها المواطن في الشرق الاوسط، ولا شك من أنه يتصل بظاهرة التحول الديمقراطي وجود إصلاحات حقيقية، ينتج عنها مشاركة الشباب و المرأه في الحياة السياسية، بمعنى تشاركية لكامل فئات الشعب دون حصرها على مشاركة فئة معينة استأثرت بإدارة المشهد السياسي لعقود في بلداننا العربية دون التوجه لمشاركة عادلة واسعة، يفتح المجال والافق فيها لابناء المجتمع من المتعلمين والمختصين والقادرين على رفعة ونهضة مجتمعاتهم ودولهم. وهنا تجدر الاشارة الى أن قاعدة السلام والنقطة الاهم هي توزيع عادل للثروات بين الشعوب ، مع مراعاة سد أي فجوة بين المجتمعات، قد تزيد من مقدار التفاوت بين الطبقات الفقيرة والغنية، مما يجعل من مهام الادارة السياسية والاجتماعية في منطقتنا هي تأمين حياة أفضل للفرد يتم فيها التغلب على البطالة والفقر، وفي هكذا سيناريو اجتماعي متصالح يتوفر فيها دخل مالي وراحة معيشية للفرد، حتما سيقود كل ذلك الى سلام مجتمعي ، خاصة أن الشرق الاوسط من أخطر المشاكل التي يعانيها هو التدهور الاقتصادي، والذي أدى بشكل واضح ومباشر الى توترات اجتماعية و سياسية وصراعات افقدته السلام . إن الحالة الاردنية السياسية والاجتماعية والاقتصادية على الرغم من التحديات، الا أنها في موضوع السلام تحديداً قدمت نموذجا اقليميا ودوليا يشار اليه بالبنان، فحكمة القيادة الهاشمية وتوجيهاتها السامية بضرورة الاصلاح الشامل أثمر في صياغة قوانين، ساهمت في صياغة وضبط العلاقة بين السلطات الثلاث وعززت من التنمية والانتاج، فالسلم المجتمعي والدولي ثقافة اردنية هاشمية جعلت من الاردن طرف في عملية السلام في المنطقة والعالم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى