مقالات

“القوة الناعمة”.. ما بين الكويت وبريطانيا

التاج الإخباري – بقلم: رجا طلب

كانت الكويت من بين اوائل الدول في العالم العربي ولربما في العالم كله التي أدارات علاقتها مع «بريطانيا العظمى» أو الأمبراطورية التي لم تكن تغيب عنها الشمس بصورة متوازنة ورصينة خففت بشكل كبير من حدة التعامل القاسي المعتاد بين دولة عظمى وإمارة صغيرة وفقيرة على شاطئ الخليج العربي، والفضل في ذلك يعود للحكمة العميقة التي تمتع بها حاكم الكويت الشيخ مبارك الصباح (مبارك الكبير) الذي أبرم مع بريطانيا الاتفاقية الكويتية – البريطانية عام 1899 والتي تعرف باتفاقية الحماية والتي استمرت سارية المفعول حتى استقلال الكويت ال?امل عام 1961، وجوهر وروح هذه الاتفاقية قائم على أن لا تكون الكويت منطقة نفوذ عثمانية وأن تبقى في وضع الحياد في زمن تلك الحقبة من التاريخ الذي كان فيه التنافس الدولي وتحديدا بين الدول الأوروبية على مناطق النفوذ في قمته.

نجحت تلك الاتفاقية التي لم تكلف الكويت وشعبها أي ثمن سياسي أو مادي في أخذ تلك الإمارة الصغيرة إلى مصاف دولة كاملة القوة والأركان والبنيان عام 1961، واستكمل المغفور له الشيخ عبد الله السالم الصباح عملية الاستقلال بعد مفاوضات طويلة مع لندن، ووضع الدستور الكويتي الذي كان أول دستور في الخليج وأسس لديمقراطية ناضجة وصحافة حرة في إقليم الخليج العربي، وبذات العقلية التي تمتع بها الشيخ مبارك الكبير، عمل الشيخ عبد الله السالم الصباح على استكمال عناصر القوة للدولة الكويتية ليس من باب التسليح العسكري والهيمنة السياسية?بل من خلال عنصرين اثنين جعلا دولة الكويت قوة ناعمة وفي زمن مبكر، والعنصران هما:

أولا: الدستور والديمقراطية والفضاء الواسع للحريات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فتحولت الكويت بفضل هذا العامل إلى «جوهرة الخليج العربي وواحة الحرية فيه»، واستقطبت في الستينيات والسبعينيات وإلى نهاية الثمانينات خيرة العقول العربية في المجالات كافة، وشكلت بهذا العنصر حالة من التميز لا مثيل لها، إلا أن الغزو الغادر لها في الثاني من آب/اغسطس عام 1990 أضعف هذا العامل، كما أضعف وأوهن الوضع العربي برمته بصورة مأساوية غير مسبوقة، وضع اقترب في خطورته من ذلك الذي أصاب الأمة العربية لدى قيام دولة الاحتلال على أرض?فلسطين عام 1948.

ثانيا: قرار انشاء صندوق الاستثمار الكويتي في لندن عام 1963 والذي يعد أول صندوق استثماري سيادي في العالم، وكانت وما زالت مهمته الاستراتيجية هي استثمار العائدات المتدفقة من البترول وتنميتها لتكون ذراعا ماليا يدعم استقلال الدولة واستقرارها ولا يجعلها أسيرة عائدات النفط فقط، وقد كان هذا الصندوق وما زال يشكل رؤية متقدمة لمفهوم القوة الاقتصادية والسيادة الوطنية، كما كان اختيار لندن مقرا لهذا الصندوق بمثابة قيمة مضافة له أعطته قوة ومتانة واستقلالية مالية في وقت كانت فيه عاصمة الضباب بكامل متانتها السياسية والاقتص?دية.

وعندما أقول ذراعا مالية دعمت وتدعم استقلال الكويت فإنني لا أبالغ في ذلك، حيث كان لهذا الصندوق الدور الأساسي في دعم عملية تحرير الكويت وتخفيف معاناة الشعب الكويتي في داخل الكويت وخارجها خلال فترة الاحتلال، حيث صُرف منه لهذه الغاية ما قيمته 16 مليار دولار وهو رقم فلكي بمقاييس عام 1990 -1991.

بسبب هذه القيمة التاريخية والسياسية قام سمو ولى عهد الكويت الشيخ مشعل الأحمد الصباح بمناسبة الذكرى الـ 70 لانشاء الصندوق بزيارة لندن قبل عدة أيام للاحتفال بهذا الإنجاز التاريخي للدولة الكويتية.

واليوم وبعد 33 عاما من تحرير الكويت يستمر هذا الصندوق السيادي في التعافي والازدهار، وفي الاحتفال الذي أقيم بمناسبة تأسيسه في لندن كشف وزير الدولة للشؤون الاقتصادية والاستثمار الكويتي سعد البراك، خلال الحفل يوم الثلاثاء الماضي، إن الأصول المدارة لمكتب الاستثمار الكويتي ارتفعت من 27 مليار دولار في عام 2003 إلى 250 مليار دولار هذا العام.

وبهذه الأرقام تثبت الكويت كعادتها القدرة على التميز، وصندوق الكويت الاستثماري في لندن تجربة تستحق التوقف عندها وخاصة من زاوية قدرة هذه التجربة على إنتاج (القوة الناعمة) وتحديدا بالبعد الاقتصادي الذي بات هو اللغة التي تحكم العلاقات بين الدول والتي على أساسها تقام التحالفات بينها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى