مقالات

د. أشرف الراعي يكتب: الحاجة إلى مشروع قانون حماية البيانات الشخصية

التاج الإخباري – بقلم د. أشرف الراعي

يُعد الحق بالحياة الخاصة للإنسان (Right to Privacy) من أقدس الحقوق التي نصت عليها النظم القانونية المُعاصرة من دساتير، وتشريعاتٍ داخلية، ومواثيق وعُهودٍ دولية. كما حرمت الاعتداء عليها مُختلف الشرائع الدينية، وفرضت على انتهاكها، وخرقها حُرماتٍ دينيةٍ، وأخلاقيةٍ باعتبار أن هذا الحق يُعتبر من أبرز الحقوق اللصيقة بشخص الإنسان، وشخصيته، وحياته عموماً، ومن أهم الركائز الأساسية لحريته الشخصية، وآدميته، وأمنه، وأمانه، وعيشه في مُجتمعه بصورة تكفل عدم التدخل في خصوصياته، فيعيش آمناً، مُستقراً، خصوصاً، وأن المجتمعات اليوم ومع التطور الذي تشهده باتت تعاني من "آفة التطفل".

كما تُعد الحياة الخاصة سنداً ترتكز إليه الحرية الشخصية، لذا فإن حمايتها ضرورة والتدخل فيها مُجَرَم، كما تعد حرمة الحياة الخاصة وحمايتها مرآة لتطور المجتمع وتقدمه واستقراره، لا سيما في ظل التنافس المحموم اليوم بين وسائل الإعلام سواء التقليدية منها من صحف، وتلفزيونات، وإذاعات، أو الحديثة كالمواقع الإلكترونية الإخبارية، أو الصفحات الرقمية (Digital Platforms)، والانتشار الكبير لحسابات مواقع التواصل الاجتماعي المُختلفة مثل (Facebook, Twitter, Snapchat, YouTube) وغيرها من المنصات الإخبارية، وأنظمة الذكاء الاصطناعي، والتي تنتمي لما يُسمى بمفاهيم "الإعلام الجديد"، وذلك لاجتذاب أكبر عدد من المُتابعين والمُعجبين (Fans)، عبر استخدام بعض أساليب التشهير سواء بالأشخاص الطبيعيين، أو المعنويين، وكشف أسرارهم الشخصية، والاعتداء على معلوماتهم الشخصية الخاصة بحجة "حُرية الرأي والتعبير" المكفولة دستوراً وقانوناً، والمكفولة كذلك بموجب العهود والمواثيق الدولية، سواء أكان ذلك في الدول المتقدمة أو النامية، والتي تعد مقياساً لديموقراطية الدولة، وتطورها، وتقدمها من عدمه.

اليوم مع انتشار هذه الوسائل، أصبح الخرق أسهل، فأصبحت تقوم بعض الشركات بجمع البيانات ومعالجتها وأرشفتها، في مخالفة واضحة للنصوص الدستورية، التي تمنع أي اعتداء على حريات الأفراد والوصول إلى معلوماتهم وبياناتهم أياً كانت، والتي أسهمت بتناقل المعلومات، ومعرفة الكثير من المعلومات حول الأشخاص، وطريقة معيشتهم، وحياتهم الخاصة، وأماكن سُكناهم، وعائلاتهم، وحساباتهم المالية والمصرفية، ومعلوماتهم البنكية، وتنقلاتهم، وتحركاتهم ما يؤكد ضرورة وجود قانون حماية البيانات الشخصية.
وبالعودة إلى نصوص مشروع القانون، نجد أنها تناولت معالجة البيانات، فيمنع على هذه الشركات القيام بمثل هذه الأفعال، وقد جاء مشروع القانون، وفقًا لأسبابه الموجبة، لحماية البيانات الشخصية في ظل سهولة جمعها والاحتفاظ بها ومعالجتها، ولمنع الاعتداء على حق المواطنين والمقيمين في حماية بياناتهم الشخصية، وخصوصيتهم المقررة بموجب أحكام الدستور.

ومن هنا، يمكن القول إن النظم القانونية عرفت سابقاً الحماية الدستورية والجزائية للحق في الخصوصية، كما عرفته المعاهدات والمواثيق الدولية وانعكس ذلك في العديد من النصوص والتشريعات القانونية الجزائية المختلفة المعاصرة والتشريعات الإعلامية، لكن التطور الذي حدث على وسائل الإعلام وعلى البيئة الرقمية وظهور المنصات الإلكترونية أثار مشكلات عدة، لذا فإن الحاجة ماسة اليوم لإقرار هذا المشروع لحماية مجتمعنا وأفراده.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى