مقالات

الرواشدة: نخاطبهم باللغة التي يفهمونها ..!

التاج الإخباري – حسين الرواشدة 

أقسى إساءة يمكن انه نوجهها لأبنائنا الشباب ، هي أن نستهين بهم،  فنقدم لهم أعمالا رديئة ، ثم نقول:  نخاطبهم باللغة التي يفهمونها ، المقصود – بالطبع-اللغة التي صدّرتها  لنا منصات " التفاهة" باسم الدراما والفن ، كبديل عن اللغة التي تربينا عليها في مضاربنا  الأردنية ،نحن العسكر والفلاحين ،والمعلمين والعمال ، الذين نفهم معنى التحية للتاج ، والانضباط بالصف ،كما نفهم معنى أن تكون اردنيا ، وتعتز بتراب الوطن ، بوحي إشارة ، وبدون ترجمان .

الإساءة ،هنا ،إما أن تكون متعمدة لتزييف وعي أبنائنا ، استنادا لفكرة  صناعة " الأبناء الناجزين" التي صكها الفرنسي هنري سيمون قبل 100 عام في إطار الحملة الفرنسية لافريقيا،  واما أن تكون غير مقصودة ، استنادا لعدم معرفة هؤلاء بالجيل الأردني الذي  يشرفنا بعد أن أصبح له بكل مكان في العالم ، أثر يدل على إبداعاته وإنجازاته .

أرجّح ، بدافع حسن الظن  ، الاحتمال الثاني ، إذا لا توجد لدينا -حسب معلوماتي – أي قاعدة بيانات أو دراسات علمية عن الشباب في بلادنا ، سواء اكانوا  في الداخل او من المهاجرين المغتربين ، سبق لي أن دعوت  لذلك مرارا،  ولدي تجربة متواضعة ، سجلت فيها أسماء  المئات  من أبنائنا المبدعين المغتربين خارج الأردن ، ممن يتبؤون  افضل  المواقع والأعمال في الجامعات والشركات والمؤسسات حول العالم ، بسبب غياب المعلومات ، وربما سوء فهم واقع الشباب الأردني ، توهم هؤلاء أن اللغة التي يفهمها الشباب هي لغة "التيك توك " الهجينة  ،ولهذا خاطبوهم بها..

 ثمة ملاحظتان ( مفارقتان: ادق)،  الأولى أن الشباب الذين تم مخاطبتهم بهذه اللغة  للترويج لمنجزات وطنية ، هم ذات الشباب الأردني الذين خاطبهم الملك ، وألقى على عاتقهم مسؤولية بناء الأردن الجديد ، ثم طلب منهم المشاركة بمشروع تحديث الدولة ، في مساراته  الثلاثة،  شتان، بالطبع ، بين ما أراده الملك ، وما عبّر عنه من اعتزاز بالشباب الأردني ، وبين ما يفكر به البعض حين يخاطبون الشباب ب"اللغة التي يفهمونها".

الملاحظة الثانية ، هي أننا لم نخرج من جدل الهوية الجامعة ، حتى فاجأتنا"  اللغة التي يفهمونها " ، حين ندقق بالمصطلحين نجد انهما خرجا في سياق  الترويج للقادم ،  كما أنهما  وجهان لعملة مقلدة تصب في رصيد "مجهول "، ما يعني أن محاولات العبث بنواميسنا  الوطنية ربما تتسلل من هاتين الجهتين ، جهة اللغة وجهة الهوية للأسف ، وهنا يقتضي الانتباه والحذر  .

إذا سلمنا ان ما جرى  من ترويج درامي لرموز وإنجازات نعتز بها ، كان بقصد مخاطبة أبنائنا باللغة التي يفهمونها، فإن ردود فعل المجتمع أكدت عكس ذلك ، حين رفضت  هذه اللغة ، واعتبرتها دخيلة على منظومة لغتنا وتقاليدنا وقيمنا الراسخة،  كما ان الواقع يدحض صحة هذه الفكرة ، لأن مهمة الفنون والدراما أن ترتقي بثقافة المجتمع ، وتنهض بذائقته الوطنية والجمالية، وحتى لو افترضنا – جدلا- ان الجمهور يطلب ذلك ، فإن واجب من يتولى مسؤولية التوجيه والتثقيف الوطني في إداراتنا العامة ، أن يصنع ،من خلال لغة الدراما ، ذائقة جديدة متقدمة في الوعي ، لا أن يكرس ما هو واقع عابر .

يبقى اللافت انه بدل أن يعتذر هؤلاء عن الخطأ ، ثم يستدركوا  ما حصل بوقفه على الفور ، تعمدوا إهانة  المجتمع بالاصرار على أن ما فعلوه كان صحيحا،  ثم باتهام  جيل الشباب أن هذه اللغة الرديئة هي التي تناسبهم ، وكأنهم يعرفونهم ، او أنهم أوصياء عليهم ، الأخطر من ذلك أنهم تحدثوا  باسم مؤسسات الدولة ومنجزاتها ، وتجرأوا على أهم المعاقل التي بقيت صامدة ، وحظيت بثقة الأردنيين واعتزاز هم ، على الدوام …يا خسارة..!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى