مقالات

الرواشدة: ‏هذه ” التفاهة” لا تليق بنا

التاج الأخباري – حسين الرّواشدة 

قد تعجز المجتمعات ،أحيانا ، عن مواجهة أزماتها ، فتهرب إلى زوايا الخرافة أو منصات الفهلوة،  حجم الإعجابات والمتابعات التي يحظى بها بعض المؤثرين ،ناهيك عن الاموال التي يتلقونها ،تعكس مثل هذه الحالة ، واجب إدارات الدولة أن تتحرك لمواجهة هذا العجز أولا، وهذا الاستغراق بواقع  التفاهة ثانيا، الدولة لا يجوز أن تقف متفرجة ، وقبل ذلك لا يمكن أن تنسحب وراء المؤثرين المغشوشين ،بالمحتوى والاداء،  أو أن تروّج لأعمالهم الهابطة ، فنيا وأخلاقيا على حد سواء. 

‏أعرف ،تماما ،   أن ذهن القارئ الكريم سينصرف إلى وقائع شاهدناها خلال الأشهر الماضية ، لا أريد أن أسميها ، يكفي أن اقول : التفاهة أصبحت ظاهرة تتمدد بسرعة،  نحن -أقصد الجمهور – من يشجعها ويدعمها ، ونحن، أيضا ،من يرفضها ويسخر منها، وذلك جزء من حالة" الشيزوفرينيا " التي تعاني منها كثير من مجتمعاتنا .

‏أشير ،هنا ،إلى مسألتين ، الأولى أن الدولة الأردنية تأسست منذ 100 عام على قيم وتقاليد راسخة ، كرستها السياسة أولا،  من خلال توافق النظام السياسي مع المجتمع (القبلي) المتدين ،  وقد احترم الجميع هذه القيم ، وانعكست على الحياة العامة بكل تفاصيلها ، إدارات الدولة ونخب المجتمع سخّرت الفنون على اختلافها، و الثقافة والإعلام بانواعها المتعددة ، ووسائل التوجيه الدينية والاجتماعية ، لخدمة هذه التقاليد والقيم ، آنذاك ازدهر الفن الأردني حين كان يتحدث باسم الناس ، ويلتزم بقضاياهم ،ويعكس همومهم، كما شكلت وسائل الإعلام ومنابر الثقافة روافع للدولة ، ومنصات للأردنيين ، وبالتالي أفرزنا أفضل ما لدينا في مواجهة متغيرات وأوضاع عصفت بنا طيلة تاريخنا الطويل. 

‏اما المسألة الثانية ، فهي أننا لم نفلح ،حتى الآن ،بكتابه التاريخ الأردني ،ولم نحسن استخدام "القوة الناعمة "التي تشكل اليوم أهم ركائز القوة والنهضة للدولة الحديثة ، حالة الفن والدراما ،والإعلام والشعر والأدب ،وكذلك المراكز البحثية والاستراتيجية ،تؤكد أننا تأخرنا كثيرا في صناعة واقع يليق ببلدنا ، وأهدرنا ما لدينا من طاقات وكفاءات ، كان يمكن أن تؤثر ايجابيا بنا ولغيرنا ، وتأخذنا الى الصدارة.

‏الأخطر من ذلك أننا استبدلنا كل هذه الركائز التي أهملناها وخسرناها، براوفع صناعية هشّة ، عنوانها "التفاهة "، حيث ازدهرت أسواق إشغال الناس بالمحتويات  المسطحة والرديئة،  والممثلون الأنصاف ، مثلما تكرست -أيضا -ثقافة السخرية واليأس ، والاستغراق بالماضي وامجاده، هروبا من الواقع و أسئلته و قضاياه الكبرى ، التي كان يجب أن  نواجهها بإجابات مقنعة، وجميلة أيضا .

‏تزامن كل هذا مع غياب ،أو تغييب ، ل"القضية الأردنية" التي يجب أن تشكل مشتركا وطنيا لحركة الدولة والمجتمع ، لم نستثمر -للأسف – برمزية الدم  والشهيد الأردني بالشكل الصحيح ، ولا بعصامية المعلم والعامل والجندي ، ولا بصورة المرأة الأردنية النشمية،  ولا بتطور حالة المجتمع وانتقاله من البداوة إلى التحضر ، اغفلنا ذلك لمصلحة صناعة هويات فرعية أحيانا،  او لمجاراة  أسواق تتاجر بالصورة الردئية والمحتوى الفارغ ، او جراء اقصاء الكفاءات الفنية والثقافية والإعلامية التي تمثل المجتمع ، لحساب هواة جدد ، لا يمتلكون الفكرة ولا المشروع ، ولا الكفاءة ولا الإبداع.

‏الآن ،حان وقت التدقيق والمراجعة،  لابد من وقف حالة التفاهة والفهلوه ، وخبث استخدام الصورة ،والتعدي على رمزية  وقدسية الأمكنة ، بما تعكسه من تاريخ وتقاليد وقيم . الأردن اكبر وأجمل من كل هذا " الزبد" الذي نراه ويستفزنا  ،و الأردنيون يستحقون من يقدم لهم تاريخهم المجيد بصدق ورقي وأمانة ، ومن يعكس صورتهم الحقيقية، لا المسلوقة في غرف النطّ والشطارة والتجارة ، سواء من خلال الثقافة أو الفن أو الإعلام وغيرها . 

لماذا نحتاج لذلك؟ لأن هذه "التفاهة"  لا تليق بنا، واخشى ما اخشاه ان تشكل واقعنا ، وتصبح نظاما لحياتنا ، أو مرآة تعكس مخيالا يريده الآخرون لنا ، ولا يشبهنا ابدا .

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى