مقالات

زلزال يضرب مواقع التواصل الاجتماعي في صفائح الأخلاق والقانون

التاج الإخباري – بقلم: د. أشرف الراعي

"طالعني وبشتغل عندك خدامة طول عمري".. ربما كان هذا الفيديو بمثابة زلزال هز العالم أكثر من الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا؛ فحجم المأساة كبير، وطفولة تنطق بهذه الكلمات الفجة حتماً ليست طفولة طبيعية؛ هي طفولة أنتجتها إرهاصات الواقع السوري خصوصاً؛ فالسوريون جربوا بسبب الحرب أقسى أنواع الألم والعذاب.
ثم انتشرت بعد ذلك العديد من الصور القاتمة التي تنقل الحدث بأوجع تفاصيله؛ ينقلها أحيانا صحافيون، وأحياناً أخرى "ناشطون" مع مساحات واسعة للتعليق والدعاء والتشكيك، وفي غمرة هذا كله يظهر لنا "عالم هولندي مغمور" يشتهر بسرعة البرق، فيزور صفحته مئات الآلاف من الأشخاص حول العالم – وأنا واحد منهم – لعله يطمئننا بأن الأرض بخير وأن الصفائح التكتونية لن تهتز مرة أخرى!
كل هذا مدعاة للصمت والتفكير والتساؤل .. ما الذي اهتز؟
هل ما اهتز هو الأرض أم إنسانيتنا؟ 
وهل حققت مواقع التواصل الاجتماعي غايتها في الإضاءة على مصائب الناس .. وهل هي من الأخلاق والقانون في شيء؟
لا إجابات قاطعة؛ فالصمت أحياناً سيد الموقف في هذه القضايا والزلزال الذي زلزل كياننا وأظهر للعالم كيف يمكن أن تتغير الحياة بلحظة واحدة، لكن التساؤل الكبير، هل يجوز نشر هذه المآسي على العلن، وهل يمكن اختراق خصوصية من هم في لحظات الضعف الإنساني وتصويرهم لتحقيق أعلى نسب من المشاهدات؟
وأين ذهب دور الصحافي الحقيقي ولماذا اختفى ومن الذي نقل مهمات الصحافيين الحقيقيين إلى المنصات الرقمية ومواقع التواصل الاجتماعي وكيف يمكن تنظيم العالم الأزرق والأخضر والأصفر (استناداً إلى ألوان مواقع التواصل الاجتماعي) قانوناً؟
الأخلاقيات لا تُجتزأ ودور مواقع التواصل الاجتماعي كبير، لكن الخطر الداهم منها أكبر فلا بد من تنظيم قانوني قادر على ضبط هذه الممارسات التي أصبحت اليوم جزءاً من الحياة اليومية؛ فلا أحد ينجو من صورة هنا أو هناك بشكل فج يخترق الخصوصية، ويسيء للإنسان!
الصور التي نقلت أثرت في الناس أيما تأثير ونقلتهم إلى دائرة السلبية والخوف الذي سيطر عليهم ويسيطر منذ أزمة كورونا وحتى اليوم.. من دون أن يفعل القانون شيئاً؛ فالقانون هنا عاجز عن ضبط الآلاف لا بل مئات الآلاف من الصور والفيديوهات التي توثق حجم الكارثة الإنسانية وتلعب بمشاعر الآخرين من دون حلول.. 
انقلوا الحدث ولكن لا تفجروا في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي! أنقذوا المصابين ولا تنشغلوا بالتصوير من أجل أرقام تتزايد فتزيد من متابعيكم بلا رأفة إنسانية.. يتوقف هنا القانون .. ولا حلول إلا في حالة وجود اتفاقيات دولية تضبط هذه الممارسات بطريقة قانونية تلزم الشركات الدولية التي تطلق هذه المواقع من الالتزام بحدود القانون.. لا حلول هنا إلا الأخلاق ومن دونها سيبقى سيل الصور والفيديوهات التي تهز كيان الإنسان من دون مراعاة ظروف أخيه الإنسان جارفاً .. ولن يثمر ذلك إلا عن مزيد من التبلد والإحساس بقلة احترام إنسانية الإنسان!
رحم الله الضحايا !

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى