أبو عمارة يكتب: تسع وثلاثون ديناراً فقط!
التاج الإخباري – بقلم الدكتور محمد أبوعمارة
رئيس جمعية الكتاب الإلكترونيين الاردنيين
كنت وصديقي موسى نجلس في ذلك الطعم الذي اعتدنا على تناول العشاء فيه، مطعم يمزج ما بين الرقي في المجلس والتميز في الطعم والأسعار المعتدلة، فلم تكن فاتورة العشاء تتجاوز الدنانير الخمس طبعًا ضمن طلباتنا التي لا تتجاوز الفول والحمص .
وبدأنا بالطلب من النادل وأثناء ذلك دخل رجل أربعيني إلى المطعم وصاح بأعلى صوته.. يا جماعة أنا اليوم أسعد يوم في حياتي لقد أنجزت ما كنت أحلم به منذ طفولتي ، وأنا سعيد سعادة تملأ الكون ، لذلك أنا سأدفع كل حسابكم لدى المطعم أطلبوا ما تشاؤون وتتمنون والحساب عند عمكم أبوعمر…
يالله كم كان ما سمعناه مذهلاً، سنأكل على حساب هذا -البطل- وبدأنا أنا والأشخاص الآخرون الجالسون على الطاولات المجاورة بتقديم الشكر له.. شكراً أبا عمر.. ما قصرت.. بارك الله فيك.. إلا صديقي موسى الذي وقف وصفق وصفّر وانفعل إنفعالاً شديداً محيياً ذلك الرجل وبدأيصدح بالغناء ( ليلة ليلة ليلة أما ليلة يا سلام …)وبالفعل بدلنا الطلبات التي كنا قد طلبناها ( يعني لغينا الحمص والفول )واخترنا أشياء متنوعة أكثر وعلى قولة موسى – ماحرمنا حالنا من إشي – وكذلك فعل بقية الزبائن.. وبدأنا بالتهام الطعام وليس تناوله.. وكنت أراقب أنا ذلك الشخص – ابوعمر- الذي لم أره منذ أن أطلق مبادرته لنا، ولكنني كنت أقول في نفسي، لا بُدّ وأنه قد حاسب وخرج من المطعم، أو أنه معروف لديهم ولم يساورني الشك للحظة بعدم صدقه.
كان المطعم يضم عشر طاولات وكان عدد الزبائن الموجودين يشغل خمساً منها فقط، وبعد ذلك جاء أربعة أشخاص وجلسوا إلى طاولة جديده، وكنت أشعر أنا وموسى بالتميز والغرور والخيلاء ،لأن هؤلاء لم يشملهم العرض والعزومة وراحت عليهم، نظرت نحو موسى وقلت: يا حرام راحت عليهم لو عجّلوا شوي كان أكلوا على حساب أبوعمر..
وبعد أن أنهينا العشاء لملمنا حاجياتنا أنا وصديقي وهممنا بالمغادرة وعندما وصلنا إلى المدخل ودعّت الشخص الذي يأخذ عادةً الحساب منا وقلت له: الله يعطيكم العافية، وقلت ضاحكاً: كل يا ييجي أبوعمر رنوا علينا وهممت بالمغادرة وإذ به ينادي: يا محترم، يامحترم
– تفضل!
– الحساب؟
– أي حساب؟
– حساب الأكل اللي أكلتوه أنت وصاحبك.
– ما أبوعمر دفع عنا!
– مين أبوعمر؟
– شكلك إنت وصلت متأخر!
-" لا يا حبيبي أنا هون من لما دخلتوا!"
– "أبوعمر الزلمة اللي وقف ودق على صدره وقال اليوم أسعد يوم بحياتي -وكيت كيت – وحساب الطاولات علي!"
وهنا انفجر بالضحك وقال لي : حكيتلي-كيت كيت – هذا الرجل يا إما مجنون يا إما كذاب وحب يعمل فيكم مقلب، لأنه الزلمه بعد ما حكى هالكلمتين طلع من المطعم ولحقناه وما عرفنا وين راح!
– طيب شو معنى كلامك!
– معنى كلامي بدكم لو سمحتم تدفعوا فاتورة أكلكم وأنتوا شباب محترمين!
– "هي كم الفاتورة؟"
– ثمانية وثلاثون ديناراً وخمس وستين قرش.
نظرت نحو موسى : أنت كم معك؟!
ويبدأ موسى بالبحث في جيب البنطلون ثم القميص وأنا أقول : ها طمن كم معك ، وهو يشير لي بيده اصبر،" ها طمن …وبعد جهد قال : ثمن دنانير وأربعين قرش، "
– بس !
– آه بس هو أنا الوليد بن طلال ! كم بده يكون معي مثلًا ؟
وبد أت أنا بالبحث في جيوبي لملمت الفراطة والماسك وإذ بالمبلغ كاملاً- الذي معي ومع موسى- تسع وثلاثون ديناراً، أعطيتها لصاحب المطعم وابتسمت وقلت: خلي الباقي عشان الشباب
.. غادرنا المطعم ونحن ننظر لبعض وموسى يقول: "يعني كان ضروري الكبدة والمعلاق والمشاوي! كان مشيناها فول وحمص! وضروري عصير وقهوة وشاي مع بعض! ماله الشاي لحاله ماله!!"
وسرنا معاً للعودة إلى الحارة التي كانت تبعد أكثر من خمس كيلومتر والتي كنا بالعادة نركب لها تكسي ولكن بسبب الطفر سنضطر إلى المشي وموسى يهذي: "كان ضروري العشا من أصله إحنا من إيمتى بنتعشى،ماله الروجيم ماله!!"
غادرنا ونحن نحمد الله أننا استطعنا جمع تلك الفاتورة الثقيلة علينا، وكنا نحسب حساب الأيام القادمة التي لا يوجد بحوزتنا لها أي مبالغ!