مقالات

الذكاء الصناعي في مواجهة الغباء الثقافي

التاج الاخباري-وصفي امين شديفات– هذه مقالة سريعة للمقارنة كيف أن من يستخدمون تقنيات أو مواقع إلكترونية تعتمد برامج تعمل بالذكاء الصناعي يستطيعون فهم ومعرفة علوما وأمورا وأسرارا كثيرة في تخصصات واسعة جدا دون الحاجة إلى دراسات متقدمة وعلوم وعلماء وأموال وسفر ومقابلات، وذلك مقابل من يعتمد ثقافة الثمانينات وما قبلها في معارفه وأحكامه، وهم كُثُر.

يقول عالم الاقتصاد والسياسات العامة الأمريكي حيفري ساخس (أنه رغم أن الهاتف الذكي فيه تقنيات متنوعة وهائلة جدا عمل عليها أعداد هائلة من العلماء والباحثين في تخصصات الهندسة والبرمجة، فإنني ورغم عدم معرفتي بأي شيء من تخصصاتهم وبدون أن أستعين بأي منهم أستطيع استخدام كل تطبيقات وبرمجيات الهاتف). وأنا أضيف، في التسعينيات وقبلها بقليل كان الأمر يتطلب فرق من المُختصين للتجهيز وعمل مقابلة تلفزيونية بين زعيمين. أما اليوم فطفلين كل واحد جالس في حوش يستطيع عمل ذلك. وبالمثل يستطيع شخص بتعليم مدرسي أن يقود المرسيديس المايباخ ويستعمل كل أجهزة مقصورتها الداخلية، بدون الحاجة لعلماء ومهندسين من مرسيديس.
وبينما كان يحتاج العلماء والمختصون في الجامعات أو الشركات في الثمانينات إلى أسابيع أو أشهر لاستخدام عدة معادلات رياضية في حساب نتائج معطيات معينة ثُم عمل رسومات بيانية، يستطيع اليوم أي طالب جامعي مُبتدىء خلال دقائق أو ساعات تعبئة المعطيات في جداول وكتابة هذه المعادلات في برنامج مثل ماثيماتيكا، لحل المعادلات وعمل الحسابات وعمل رسوم بيانية ملونة ثلاثية أو رباعية الأبعاد لا يستطيع أي عالم كبير عملها يدويا في كثير من الأحوال. وأكثر من ذلك تستطيع بعض برامج الذكاء الصناعي من خلال تزويدها بمعطيات ومفاهيم ومشكلة تقنية من تصميم اختراع غير مسبوق ليحل المشكلة.
برنامج معراج النجوم الذي عملت على ترجمته قبل 12 عاما يستطيع بتوجيه الجهاز اللوحي من قبل طفل صغير إلى أي نجم في السماء معرفة اسمه وموقعه وزواياه، بينما في الماضي تحتاج إلى تيليسكوبات وفلكيين ورياضيين لحساب وتحديد الموقع والتعرف على النجم. لا بل أن طفل صغير يستطيع من خلال البرنامج معرفة وقت ظهور هلال كل شهر بالدقيقة والثانية لعقود طويلة في المستقبل أو الماضي. ويرى كمية الضوء المنعكس عن القمر وبدقة متناهية.
عندما كنت أكتب مقالات على الفيسبوك حول نتائج فحص الدي أن إيه والقبائل الأقرب لنا، كان البعض في العلن والأكثر في السر يشكك وينتقد ويُخطىء ما أكتبه من باب أنني لست بعالم جينات ولا حتى مختص في هذا المجال. وأنني أحتاج لأحدهم ليحسب ويحلل لي ذلك وكأننا في سنين الثمانينات، وطبعا بدون أن يُكلف نفسه أن يدخل على موقع أي شركة تقوم بالفحص ويدرس عن طريقة عملهم وإلى أي مدى هي متقدمة جدا.
فمثلا لو أتينا بكل علماء الجينات في العالم، وأدخلناهم المنشية؛ فإن أول عمل سيقومون به هو أخذ عينات من سقف حلقنا بنفس نكاشة فحص الكورونا، طيب، زين، ما أنا أستطيع عمل ذلك بدونهم. ثم ماذا؟ سيقومون ببعث العينات إلى المختبر، لوضع العينات في أجهزة التحليل…الخ، طيب ما هو الفنيون في المختبر يستطيعون ذلك، ثُم يحتاجوا لترقيم العلامات الجينية، طيب ما هُو الكمبيوتر هُو الذي يستطيع ذلك آليا، ثُم ماذا؟ يحتاجون لمقارنة الأرقام الخاصة بالعلامات الجينية تبعتي بأرقام العلامات الجينية في قاعدة بيانات لملايين الأشخاص.  الذين فحصوا عند هذه الشركة. طيب، ممتاز، شوف، والله لو قعد عالم سنين وهو يقارن ما راح تزبط معه، بينما برنامج الذكاء الصناعي يستطيع في ثواني عمل المقارنة، ثُم من قال لك بأن بينات ملايين الأشخاص الذين فحصوا موجودة عند العُلماء ليقارنوا تبعتك بتبعتهم؟ هذه البيانات موجودة عند شركة فيها مهندسين وليسوا عُلماء. وبعدين، كيف يحددوا من يقرب لك؟ ما راح يقدروا! الذي يقدر هو برنامج يعمل بالذكاء الصناعي في جمع وتصنيف أسماء الأشخاص الذين فحصوا وقربهم لك بمعايير مختلفة ويرسم أيضا لك شجرة جينية. طيب، وكيف تقدر تحسب تقديرا وتقريبا متى يلتقي معك أبناء هذه القبيلة أو تلك عند جد واحد لكليكما؟ فعلا مشكلة، هل تحتاج عالم رياضيات أو بروفسور أو شوه؟ لا يا سيدي، بضغطة زر البرنامج هو يحسبلك تقديرا وتقريبا قبل كم جيل تلتقي مع هذا الشخص أو تلك القبيلة. ماذا يعني كل هذا؟ يعني لما بتزودني شركة بملف كامل كما وضحت باختصار شديد جدا، أنا عندي في نفس ملفي برامج تساعدني في أي شيء أريده بدون عُلماء أو بحث علمي مُعتمد أو غير مُعتمد أوغيره عشان يعلمني شوه أسوي. يعني ما فيه داعي حدا يقولي حسبتك غلط، لأنه البرنامج هو اللي يحسب، وطبعا البعض سيطلب أدلة من البرنامج، وجوابي، الملف الذي لدي بكل بياناته يعبىء آلاف الصفحات، هل أجلس وأنتقي لكل واحد صفحة، اتفضل إعمل الفحص واحصل على ملف، وابحث، وإذا ما تطلع مطابق معي يكون أحسن.
طيب أنا وين يبدأ عملي، عملي هُو منذ سنين أني آخذ أسماء هذه القبائل وحدة وحدة، وأدرس تاريخها وين راحت وين أجت، شوه صار عليهم، أشعارهم، مواقعهم، تجارتهم، مشاهيرهم منذ ذلك الحين إلى اليوم، عاداتهم تقاليدهم، وحتى أشكالهم ومواهبهم وأجسادهم طبعا حسب المتوفر. وهون أنا أسألك: هل أحتاج لعالم حتى يُعلمني كيف أدرس التاريخ؟ الحمدلله الذي أصعب من التاريخ كان علي أسهل، وأنوه هُنا أنا لا أقول كل شيء سهل علي (آه مو عشان الصيادين…) المهم. لما أحد أجدادنا أكثر ما كُتب عنه هُو في الحوزات العلمية الشيعية، والفترة التي عاش بها، وأين؟ وأنا أجد أن هذا يتطابق نسبيا مع الفحوص التي لي والمعلومات الأخرى التي ترسم لي صورة فسيفسائية للنتيجة لها شكل ودلالات مترابطة، طيب أنا من وين أجيب لحضرتك بحث علمي عن هذا الشخص، يعني مثلا علماء يابانيون عاملينه بالشراكة مع علماء من أستراليا عن جد قبيلة عاش في صحراء العرب قبل قرون بعيدة؟ طبعا راح تحكي من هذي الكتب، الجواب الانترنت أمامك ليش ما تبحث إنت بدل ما أحول مقالة على الفيسبوك إلى بحث علمي بمراجع يُقدم لمجلة علمية، هذا فيسبوك وليس مؤتمر علمي. ليس لدي الوقت لرجوع فيما قرأت سنين وعمل جدول بالمراجع يستغرق إسبوعا مني لأجيب على سؤال على الفيسبوك ولا البديل أن غلطان.
  المهم، اليوم تستطيع من خلال الانترنت وحتى ترجمة أي نص تبحث عنه إلى أي لغة تريد وترجمة النتائج الوصول إلى البيانات المفتوحة للمؤسسات العالمية والحكومات، والاطلاع على المعلومات الحقيقية بمعايير لم تخطر ببالك ومن مصادرها الأصلية للسنة الحالية أو قبلها، وحتى إن لم تقتنع بها تستطيع من خلال مزيد من البحث والمقارنة الوصول للصحيح، بدل أن يلعب بمعلوماتك أي إعلام عايش بثقافة ومعايير ومقاييس الثمانينات، أو حتى أي فهلوي يتعالى عليك بعلمه فيهديك إلى معلومات هو جاهل بها أصلا وكل معلوماته إما من الثمانينات أو يؤلف لك من رأسه وفقا لعواطفه، رغم أن عالم اليوم يختلف في أوجه عدة عدة عالم الثمانينات من ناحية القوى العالمية والغنى والعلوم والسياسة. هل تستطيع أن تبني ثقافة واعية لنفسك من خلال بحثك وقراءتك من النت بدون أن تكون باحث؟ الجواب: نعم. وللعلم هنالك عُلماء كبار في الغرب لديهم محاضرات على النت، لا بل أنك تستطيع أن تتواصل مع عُلماء من ناسا وتضع أسئلتك ويجيبونك، والنت فيه من الفتاوي إلى حلول مشاكل السيارات إلى التعليم عن بعد في أفضل جامعات العالم… هذه كأمثلة بدل أن يضلك المضللون. وتذكر أن الأمر الرباني لمُحمد (صلى الله عليه وسلم) هُو: إقرأ، إقرأ، إقرأ… وليس كُن عالما، كُن عالما، كُن عالما. لأن ربنا الأعلم بما خلق يعلم أنك تتعلم الكثير المتنوع (طبعا ليس كُل شيء) من خلال القراءة عشان ما حدا يهلس عليك بكل جلسة… وعندما تقرأ أضعافهم بآلاف المرات خلهم يقولوا عنك بكل عرس إله قرص… المهم ترضي ربك وتعمل بالأمر الرباني.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى