أمريكا سيدة التوريط بالعالم
التاج الإخباري – نادر القاسم
في قراءة متأنية للموقف الامريكي قبيل بدء الحرب الأوكرانية الروسية وبعد انطلاق شرارتها يشير إن السلوك الأميركي حيال ما جرى ويجري كان ملفتا لنظر كل المحللين والمراقبين للازمات الدولية والمؤشرات التي توقف عندها المراقبين والمتابعين والتي من أبرزها أن واشنطن وهي تشاهد الحشد العسكري الروسي على حدود أوكرانيا لم تحرك ساكنا لاحتواء الأزمة دبلوماسيا بغرض معالجة المخاوف الأمنية الروسية عبر القنوات الرسمية أو الأمم المتحدة على اعتبار أن أميركا القطب الأقوى والأكثر تأثيرا في العالم على كافة الأصعدة.
ثم قيام موسكو بارسال عدة إشارات عن عدم نيتها غزو اوكرانيا لابل قامت قبل الحرب بسحب بعض وحداتها العسكرية الا إن الرئيس بايدن حدد تاريخا متوقع لبدء الغزو الروسي لأوكرانيا ولم تحاول الإدارة الأمريكية بشكل جاد التعاطي مع الهواجس الأمنية الروسية ثم لم تعطي إدارة بايدن أدنى اشارة لتحرك أمريكي لتشكيل تحالف دولي لمواجهة الحشود الروسية كما حصل في أزمات دولية سابقة وأظهرت فقط انها ترفض التدخل العسكري الروسي ووجهت الدعم للرئيس الاوكراني في تصليب موقفه بعدم تقديم أي تنازل لروسيا مهما كان نوعه أو حجمه.
من جانب آخر علينا أن نتذكر جيدا ان الامبريالية الامريكية هي من وقفت بمشاركة بريطانيا وروسيا خلف تجريد أوكرانيا طواعية من السلاح النووي في مفاوضات بودابست واتفاقية لشبونة اضافة لرفض دول حلف النيتو قبول اوكرانيا عضوا في الحلف في السنوات السابقة ورغم ذلك عملت مع زيلنسكي على رفض طلبات روسيا لتقديم ضمانات بعدم قبول اوكرانيا بالنيتو ثم عملت واشنطن وشجعت الرئيس الاوكراني على تحدي القيصر بوتين والقيام بتوتير الاجواء مع روسيا لابل قامت واشنطن بارسال الإشارات القوية للرئيس الاوكراني زيلينسكي انها لن تتركه منفردا في مواجهة الدب الروسي.
من هنا تكون الامبريالية الامريكية قدمت كل الذرائع للقيصر الحالم للدخول إلى المستنقع الاوكراني والاعتداء على دولة ذات سيادة عضوا بالامم المتحدة وهي الفرصة التي تنتظرها واشنطن لعمل جردة حساب مع بوتين وبالفعل انطلق السيناريو المدروس والمخطط له بعناية فائقة بعد التوغل الروسي في اوكرانيا حيث قادت الولايات المتحدة تحركا دوليا سريعا لأحكام الطوق على موسكو من خلال فرض عقوبات اقتصادية قاسية وتشكيل تحالف أوروبي لمقاطعة روسيا لتوجيه ضربة قاصمة للاقتصاد الروسي وتقديم الدعم العسكري والاقتصادي لاوكرانيا تحت شعار حماية سيادة الدول وحقوق الإنسان ومعاناة اللاجئين وجندت كل وسائل الإعلام حول العالم لإدانة تحركات بوتين ونعتته بمجرم الحرب الذي يجب محاكمته دوليا عبر محكمة الجنايات الدولية.
الولايات المتحدة الامريكية وتابعيها من دول العالم الغربي في مقدمتهم الاتحاد الأوروبي لن تسمح لأحد أن يهدد مكانة القطب الامريكي الواحد للعالم علما ان ما يجري على الارض من أحداث يؤكد ان روسيا عملت أيضا على الخروج من حدودها الاقليمية والاوروبية في محاولة لإحياء أمجاد الاتحاد السوفياتي الغابر.
كل المؤشرات تؤكد ان القيصر الروسي الحالم بعد اجتياحه لم يقع في حساباته أن الرد الغربي وخاصة دول الشراكة الأوروبية معه في النفط والغاز سيكون ردها بإيعاز أمريكي كاسحا وموحدا وغير متوقع في حجمه وتداعياته الاقتصادية والدبلوماسية وحتى الرياضية بشكل لم يسبق له مثيل مع دول نووية عظمى عضو دائم في مجلس الأمن الدولي.
كما غاب عنه تحت الحلم والغطرسة أن الإمبراطورية التي تسقط لا تعود و ان هناك فرقا كبيرا بين ما كان في الماضي وما هو كائن في الحاضر وان لا احد سيحارب لعودة الشيوعية السوفياتية لصالح الأوليغارشية الروسية الرأسمالية كما أن دول مثل الصين لن تعرض مصالحها للخطر دفاعا عن طبقة مافيا روسية دكتاتورية دموية.
الرئيس الروسي فلادمير بوتين على حافة وادي سحيق وخطير في الملعب الاوكراني واذا لم يحقق نصرا سريعا ويتوقف عنده أو حلا دبلوماسيا يحفظ ماء الوجه فان المقبل في قادم الأيام سيكون وخيما وكارثيا على كل حالم في إنهاء هيمنة القطب الواحد للعالم وفي مقدمتهم روسيا خاصة أنه قد مضى ما يزيد عن اسبوعين تقريبا على بداية الحرب ولم يسفر اجتياح روسيا لأوكرانيا عن نصر سريع كما توقع بوتين لابل إن القوات الروسية تعثرت بسبب أخطائها الفادحة وبفضل مقاومة أوكرانيا المدعومة من العالم الغربي رغم وجود دلائل تفيد بأن روسيا ادركت بأن الوقت قد حان للتفاوض.
ان جر روسيا لحرب طويلة ستجعل من روسيا بلد منهك اقتصاديا وعاجزا وستدفع موسكو وشعب اوكرانيا ثمنا باهظا من خيراتهما التي ستصب في خزائن أمريكا وأوروبا دون غيرهما.