مقالات

المشاركة السياسية “مقتولة” بسيفي البطالة والفقر.. تناقض بين الواقع والتشريع السياسي

التاج الاخباري- خليل النظامي – إن أردت البحث عن أكثر القرارات السياسية والاقتصادية غرابة في العالم، فليس عليك إلا أن تطلع على قرارات الحكومات والمجالس النيابية الاردنية، فالكثير من القرارات والتوجهات التي أعلنوا عنها جعلتنا نقف أيام وأيام ونحن نحاول تحليلها وفهم طبيعة ونمطية الكواليس التي حيكت فيها تلك القرارات، وبكل أسف نعود دوما أدراجنا خائبين. مؤخرا صوت مجلس النواب على تخفيض سن الترشح لمجلس النواب الى 25 عام ضمن البند 15 من التعديلات الدستورية، والذي كان في السابق في المادة 70 من الدستور شرط الترشح 30 عاما، حيث صوت على التعديل قرابة الـ 110 نواب وحوالي 6 نواب عارضو القرار.

وبما أن مهمتي النائب تحت قبة البرلمان ينحصران بـ الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، ومناقشة ودراسة القوانين التي تحيلها الحكومة والتشريع، وهاتان المهمتان تحتاجان إلى خبرة كبيرة في العمل السياسي – فهذا يفرض على طاولة الحوار عدة أسئلة من أبرزها : هل الشباب الأردني في عمر الـ 25 لديه القدرة والخبرة والكفاءة التي يستطيع من خلالها ممارسة مهام الرقابة والتشريع والعمل السياسي، وكيف سيكون شكل ومضمون السلطة التشريعية في الحياة السياسية الأردنية ؟ وهل يبحث المطبخ السياسي عن توسعة دائرة مشاركة الشباب بمجلس البرلمان أم أنه فعلا يريد مجلس برلماني ناضج ولديه الخبرة بالتعامل مع القضايا المحلية والاقليمية والدولية السياسية ؟ جغرافية المشاركة السياسية هل هي حكر على ساكني عمان …

فـمجرد النظر للبيئة السياسية في المحافظات – نستثني منها العاصمة عمان- نجد أن مستوى ممارسة الحياة السياسية شبه معدوم، نظرا لعدم إهتمام الدولة بتنمية شباب تلك المناطق سياسيا ليتمكنوا من المشاركة في صناعة القرارات التي تطبخ في وسط العاصمة عمان، اضافة الى غياب شبة تام لـ الأحزاب في المحافظات وغياب مثيله من الجهات الرسمية المكلفة ببرامج التنمية السياسية للأفراد وشباب تلك المحافظات، الأمر الذي أفقد الشباب منذ زمن طويل ثقتهم وإيمانهم بالمشاركة في الحياة السياسية، وكأن العمل والمشاركة السياسية أصبحت حكرا على من يسكن العاصمة عمان.

بالإضافة الى نمطية الصورة المتبلورة في إدارات ومؤسسي – الطبقة المخملية – العديد من الأحزاب المحلية عن شباب المحافظات وطبيعة حياتهم الإجتماعية البسيطة وتمسكهم بـ العادات والتقاليد والأصول التي لا تتفق مع معظم مؤسسي تلك الاحزاب، الأمر الذي جعلهم “يقصون” هذه المحافظات ومن فيها والمرور عليها كلما مر تمويل أجنبي أو توجية من سلطات عليا.

ومن جغرافية السياسة إلى ممارسة السياسة في الجامعات والتي يعلم الجميع أن طبيعة البيئة السياسية في الجامعات الاردنية معدومة تماما، ولا يسمح للطالب أو لعضو الهيئة التدريسية ممارسة الحياة السياسية داخل الحرم الجامعي أو حتى خارج حرمها أحيانا،

ونرى الطالب يمضي أربعة أعوام مشغولا بطلب العلم والترفية عن نفسه. وبالكاد لا ننسى ما يعانية أبناء تلك المحافظات من بطالة متفشية وعدم وجود استثمارات حقيقية تعمل على تنمية تلك المناطق وانعاشها اقتصاديا نظرا لسوء خارطة توزيع مكتسبات التنمية الاقتصادية على المحافظات والعديد من البرامج الفاشلة التي مارستها الحكومات السابقة، العامل الأبرز في ابتعادهم عن التفكير بالحياة السياسية والمشاركة فيها، وإعطاء الأولوية في حياتهم لـ البحث عن مصادر دخل تؤمن لهم الحياة الكريمة. المشاركة السياسية “مقتولة” بـ سيفي الفقر والبطالة …

نحن بطبيعة الحال في بلد وصلت فيها نسبة البطالة حوالي 26%، وطلبات التوظيف متكدسة في ديوان الخدمة المدنية والتي تقارب حوالي النصف مليون طلب، ونسبة فقر لم تجروء حكومة حالية او سابقة الاعلان عنها، وهذا معناه أن الشاب عندما يتخرج من الجامعة بسن الـ 22 سيمضي قرابة السنة أو السنتين وربما أكثر في البحث عن فرصة عمل مناسبة في مجال التخصص الذي درسه في الجامعة.

فمن “الجهل السياسي”أن يعتقد أهل وصناع السياسة أنه بـ مجرد تشريع قانون يسمح لمن أكمل الـ 25 من عمره سيقود الشباب الأردني للتدافع على نوافذ طلبات الترشح من اجل المشاركة الحقيقية في الحياة والعمل السياسي، في وقت لدى الواقع الحقيقي فلسفة اخرى لا يرغب المطبخ السياسي مواجهتها… فلسفة تؤكد أن غالبية الشباب إن سنحت لهم فرصة الترشح سيترشحون للحصول على منصب نائب كـ وظيفة لها امتيازات وتسهيلات خاصة استثني منهم قلة قليلة من أتباع عدد من الاجنحة تتم صناعتهم ببطء شديد وفق معايير محددة، وأتباع وممثلي منظومة رأس المال. وهنا يعترضنا تساؤل كامل الدسم، إن كان المطبخ السياسي قد قام مسبقا بإعداد دراسة على فئة الشباب في مختلف مناطق ومحافظات المملكة تبحث عن مدى انتشار ثقافة العمل السياسي بين الشباب، ومدى اهتمامهم بـ المشاركة الفعلية وليس مجرد المشاركة لشغل منصب او الحصول على وظيفة، أم أنه إكتفى واستند على الـ 33 توصية التي قدمها رئيس لجنة الاتحاد الاوروبي لمتابعة الانتخابات “جو لينين” والتي من ضمنها تخفيض سن الترشح للإنتخابات من 30 الى 25 عام على حد تصريحاته الاعلامية. ضاع التطوير بين سمو الفكرة وسوء تنفيذها … من الجيد الذهاب الى تطبيق فكرة انتاج برلمان شبابي،

ولكن تطبيق هذه الفكرة على أرض الواقع في دولة مثل الاردن أمر لا يطبق بـ مجرد تشريع قانون انتخاب يحدد الفئات العمرية للترشح، وانما هو منهاج كامل الدسم لبناء مجتمع ديمقراطي، ويحتاج الى سنوات طويلة تتم خلالها عملية تمهيد أرضية سياسية على معيار ديمقراطي،

وإزالة كل الشوائب السياسية العالقة فيها منذ سنوات طويلة، ثم الذهاب نحو بناء منظومة حزبية على اساس الحرية والعدالة، لديها برامج وخطط فاعلة اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا محليا ودوليا منبثقه عن أيدلوجيات تمتاز بالتعددية السياسية من اليسار واليمين والاعتدال لـ تنسجم مع تطلعات وأفكار الشباب الاردني وتحتويهم، وصولا الى مرحلة بناء رعيل مؤدلج سياسيا برغبته في ظل مناخ ديمقراطي ليقوم بـ ممارسة سلوكياته السياسية على أكمل وجه.

ان عملية ادماج ومشاركة الشباب في الحياة السياسية منهجية تتطلب إختراق محورية أولويات التفكير في حياتهم ودراستها وتهيئة البيئة بشكل يمكن عقل الدولة من استقطابهم برغبتهم وحماسهم لإحداث التغيير المطلوب،

وإعادة النظر في كيفية تفعيل طاقاتهم وجذبهم لمنظومة حزبية حقيقية تبنى على معيار الديمقراطية والتعددية السياسية لا على الأمزجة والأهواء الشخصية والمصالح الفردية، كما فعلت الدول المتقدمة التي يستشهد فيها بعض الساسة في الاردن، فتلك دول عملت على دراسة ذهن الفرد وتطلعاته ومنحته الحرية الكاملة وهيأت له بيئة خصبة لممارسة السياسة بكل أطيافها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى